"روح أبيكم هو المتكلم فيكم" (متى 10: 20)

متفرقات

"روح أبيكم هو المتكلم فيكم" (متى 10: 20)

 

"روح أبيكم هو المتكلم فيكم" (متى 10: 20)

 

 

1. يؤكد لنا الرب يسوع، في انجيل اليوم، أن الروح القدس، روح الآب السماوي، يكلّمنا ويتكلم فينا في مختلف ظروف حياتنا، ولاسيما في الصعوبات والمحن والاضطهادت، من أية جهة أتت. هذا الروح القدس كلّم وتكلّم في العائلات العشر التي نكرّمها اليوم لمناسبة عيد الأب ويوبيل سنة الرحمة. وهي عائلات تمثّل الكثيرات من أمثالها، اللواتي تميّزن بأربع: كثرة الانجاب، ودعوات مكرّسة لعمل الرحمة، والتميّز بعمل استثنائي في عيش الرحمة، وتقبّل المصائب العائلية بصبر ورجاء.

 

2. يسرّنا ان نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الالهية، على نيّة هذه العائلات، بمناسبة عيد الأب. فنحيّي كل أب في عائلته، ونشكره على ما بذل من جهود وقدّم من تضحيات، إلى جانب الأم، ونسأل الله أن يحفظه على رأس عائلته بالصحة والخير والعمر الطويل وأن يحفظ كل أم. نصلّي لراحة نفوس الذين سبقوا عائلاتهم إلى بيت الآب.

 

 

3. وأودّ أن أشكر باسمكم جميعًا مكتب راعوية الزواج والعائلة، بشخص منسّقه، قدس الأباتي سمعان أبو عبدو ومعاونيه الزوجين المهندس سليم وريتا خوري، على تنظيم هذا الاحتفال والدعوة إليه. وأشكر معهم كل لجان العيلة والجماعات العيلية التي تعمل في الابرشيات والرعايا، بتوجيهات من مطارنتها وكهنتها، على تعزيز راعوية الزواج والعائلة، وفقًا لتعليم الكنيسة. واليوم يوجّه هذا العمل الارشاد الرسولي "فرح الحبّ" الذي أصدره قداسة البابا فرنسيس في 19 أذار الماضي، في أعقاب سينودس الاساقفة الذي انعقد في روما، على دورتين، متناولاً شؤون الزواج والعائلة من جميع الجوانب.

 

4. "روح أبيكم هو المتكلم فيكم" (متى 10: 20). هذا التأكيد من الرب يسوع يأتي في سياق كلامه عن رسالة الكنيسة، برعاتها وعائلاتها وأبنائها وبناتها ومؤسساتها، وهي رسالة أوكلها المسيح إليها. في القيام بها وأداء الشهادة للمسيح تواجه الكنيسة المصاعب والمحن والاضطهادات. فيشجعها الرب يسوع، ويدعوها لاستلهام الروح القدس، الذي هو روح الآب الرحوم والمحب والعطوف، والاصغاء لما يقوله لها، ولكل واحد وواحدة في ضيقه، أيًا كان نوعه، من كلام تعزية، ولما يوحيه من موقف وقول وعمل. هذا الروح يسمّيه الرب يسوع في كلام آخر "الروح البارقليط" أي المعزّي والمحامي والمدافع، وروح الحق (يو 14: 16-17). الشهداء القديسون تكلم فيهم الروح وشجعهم وقواهم. وهكذا فعل مع القديسة رفقا والقديسة ريتا والقديسة تريز الطفل يسوع في أوجاعهنّ وآلامهنّ.

 

5. الكنيسة، بكل مكوناتها الكنسية والعائلية والمؤسساتية، مرسلة من المسيح لنشر ملكوت الله في العالم. ولها يقول إنها "مرسلة كالخراف بين الذئاب" (متى 10: 16). ذلك أنها تنشر ملكوت المحبة بوجه البغض، وملكوت الأخوّة بوجه العداوة، وملكوت العدل بوجه الظلم، وملكوت السلام بوجه النزاعات، وملكوت النعمة والقداسة بوجه الخطيئة والشر. لذا يوصيها بفضيلتين: حكمة الحيّات ووداعة الحمام. الحكمة هي أولى مواهب الروح القدس التي تنير عقل الانسان ليحسن القول والتصرف. والوداعة فضيلة تجد مثالها في وداعة المسيح الظاهرة في لطفه وحنانه وقربه من جميع الناس.

 

6. عندما تزداد المحن والصعوبات والاضطهادات والانقسامات، يدعونا الرب يسوع إلى فضيلة الصبر والاحتمال (متى 10: 22)، كطريق آمن إلى الخلاص من المعاناة، بالشكل الذي يدبّره الآب السماوي بحنانه ورحمته ومحبته اللامتناهية. هذا "الخلاص" هو مجيء المسيح، ابن الانسان، في حياتنا مخلّصًا وفاديًا، معزّيًا ومقويًّا.

 

7. لم يعلّم الرب يسوع شيئًا إلاّ وعاشه. فترك لنا في شخصه المثال والقدوة: "ليس تلميذ أفضل من معلمه... وحسب التلميذ أن يكون مثل معلمه" (متى 10: 24-25). هذا هو مصدر عزائنا والصبر والثبات، بوجه مصاعب الحياة ومحنها، يقينًا منا، في ضوء هذه القدوة، أن رسالة المسيح لم تنتهِ بالصلب يوم الجمعة، بل بالقيامة في يوم الأحد. بالصلب غسل خطايا جميع البشر، وأشرك آلامهم في آلامه الخلاصية. وبالقيامة أعطى العالم الحياة الجديدة بالروح القدس. هكذا تنجلي قيمة المحن والمصاعب والاضطهادات التي تمر بها الكنيسة، كما الكنيسة المصغرة التي هي العائلة.

 

8. في لبنان اليوم، العائلة هي الضحية الأولى والأكبر للأزمة السياسية المتسببة بتفاقم الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والامنية. فتعاني العائلات في معظمها من الفقر، وتتآكلها هموم غدها ومستقبل أولادها. والعائلة الوطنية اللبنانية هي ضحية هذه الأزمات. وكما للعائلة أب وأم يتولّيان شؤونها، هكذا أيضًا للعائلة الوطنية أبٌ هو رئيس الجمهورية، ومؤسساتٌ دستورية وعامة هي بمثابة الأم. لذا، نطالب أيضًا وأيضًا الجماعة السياسية، بكتلها النيابية، الإصغاء لضيمرها الوطني، والقيام بواجبها الدستوري بانتخاب رئيس للجمهورية، يكون أبا للعائلة الوطنية. فهو وحده يقسم اليمين على حفظ الدستور وعلى المحافظة على العائلة اللبنانية وعلى وحدتها ونموها ورغد عيشها؛ ووحده يبثّ الحياة في المجلس النيابي والحكومة. لا يحق للجماعة السياسيّة، مهما كانت الاسباب، التمادي في خراب الدولة وقهر المواطنين وتعطيل الخير العام.

 

9. والعائلة في سوريا والعراق وفلسطين وسواها من منطقة الشرق الأوسط هي ضحية حروب أمراء الحرب الاقليمين والدوليين، الذين يتآكلهم الجشع السياسي والاقتصادي والاستراتيجي، ويفرضون الحروب ويؤججون نارها، ويقتلعون الملايين من عائلات هذه البلدان من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم. ويُشرّدونها على طرقات العالم وحدود الدول بالحرمان والاذلال، ويقتلون أولادها وقواها الحيّة من مواطنيها الآمنين.

ونطالب أيضًا وأيضًا معكم ومع ذوي الارادة الحسنة، الأسرة الدولية، وعلى وجه التحديد، منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ايقاف هذه الحروب. وايجاد الحلول السياسية السلميّة للنزاعات، وتوطيد سلام عادل وشامل ودائم، واعادة جميع المهجّرين والنازحين والمخطوفين الى ارضهم في وطنهم موفوري الكرامة، مع كامل حقوقهم كمواطنين.

 

10. كل هذه المطالب نرفعها صلاة التماس من الله، مع آيات المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

 

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس 

بكركي في 19 حزيران 2016