بمناسبة زيارة الحج التي سيقوم بها قداسة البابا فرنسيس إلى فاطيما من الثاني عشر وحتى الثالث عشر من أيار مايو الجاري بمناسبة الذكرى المئويّة الأولى على ظهورات الطوباويّة مريم العذراء، نشرت صحيفة الأوسرفاتوريه رومانو مقالاً للكاردينال جوفانّي باتيستا ريه حول رسالة فاطيما.
كتب الكاردينال ريه عام 1917 من الثالث عشر من أيار مايو وحتى الثالث عشر من تشرين الأول أكتوبر في منطقة جبليّة بالقرب من قرية فاطيما ظهرت العذراء ست مرات لثلاثة رعاة صغار لوشيا وفرانشيسكو وجاشينتا، في يدها مسبحة وقدّمت نفسها لهم على أنّها سيّدة الورديّة. لقد نزلت العذراء من السماء لتكلّم ثلاثة أطفال ليبلّغوا البشريّة بأسرها رسالتها في بداية عصر مأساوي.
إنَّ ظهورات فاطيما هي من بين الظهورات الأكثر نبويّة لأنّها تنبأت عن المآسي التي كانت تهدّد البشريّة. تشكّل الظهورات المريميّة على الدوام علامة لعناية العذراء الوالديّة تجاهنا؛ إنها علامة على قربها من مشاكلنا وصعوباتنا ودعوة لننطلق في درب الخير، وتعبير عن رغبة أمِّ الله في مساعدتنا في الجهاد ضدَّ قوى الشر وفي مقاومة المخاطر التي تهدد الإيمان والحياة المسيحيّة. تعتبر الكنيسة أن الظهورات والرؤى لا تزيد شيئًا على ما نعرفه من جوهري والموجود في الكتاب المقدّس والتقليد ولذلك لم تربط الكنيسة الإيمان أبدًا بهذه الظهورات وإنما توقفت عند جانب العبادة فقط وشجّعته أحيانًا كما هو الحال مع ظهورات فاطيما من خلال زيارات الحج.
إن الظهورات المريميّة مهمّة لأنها تساعدنا على فهم مشيئة الله تجاهنا بشكل أفضل كما تشكّل دعوة لنا لنحبّ الله ونعيش حياتنا المسيحية بصدق. إن الرسالة التي تحملها لنا فاطيما هي ذات أهميّة روحيّة كبيرة، ترتبط بالإطار التاريخي لزمننا ويمكننا أن نلخّصها بكلمات ثلاث: صلاة توبة وارتداد القلب. في الواقع هي دعوة للصلاة كدرب لخلاص النفوس، ودعوة لتغيير أسلوب الحياة والتعويض عن الخطايا من خلال التوبة؛ ودعوة لتقديس الذات والصلاة من أجل ارتداد الخطأة. وقد أشارت العذراء بعدها إلى عبادة قلبها الطاهر كمسيرة تقود نحو المسيح وكملجأ عند التجارب والصعوبات.
إن محتوى هذه النداءات متجذّر بعمق في الإنجيل لذلك يمكننا أن نقول أن فاطيما هي مدرسة إيمان وصدق إنجيلي وحيث المعلّمة هي مريم. وما يميّز رسالتها هو أنها تندرج وسط اهتمامات وأحداث القرن الماضي المأساويّة الذي طبعته الحربان العالميّتان بضحايا ودمار كبير ونظامين دكتاتوريين النازيّة التي اتحدت بها بعدها الفاشيّة، والاشتراكيّة السوفياتيّة التي دامت سبع سنوات. أنظمة إيديولوجيّة سببت آلامًا كبيرة لملايين الأشخاص لأنها داست حقوق الإنسان واضطهدت المسيحيين ساعيةً لاقتلاع الله من قلب الإنسان.
إن الأحداث التي يشير إليها سرّ فاطيما تتعلّق بأحداث أصبحت من الماضي، لكنَّ رسالتها تحتفظ بملء صلاحيّتها لرجال ونساء زمننا وهي آنية ومهمّة للمرحلة التي نعيشها. ونداءاتها موجّهة لنا أيضًا لأنها تقدّم للكنيسة والعالم المعاصر قيَم الإنجيل الأزليّة. توجّه رسالة فاطيما القلوب إلى الإنجيل وتدلنا إلى الدرب الذي يقود إلى السماء، وهي تريد أن تنمّي في العالم عبادة العذراء الأم الصالحة التي تقود إلى المسيح مخلّصنا الإلهي.
كبير هو النور الذي يأتينا من فاطيما، وتذكّر الظهورات يساعدنا لنفهم بشكل أفضل عناية الله في أحداث حياتنا البشريّة ويدعونا للنظر إلى المستقبل برجاء بالرغم من محن ومآسي عصرنا. إنّ العذراء في فاطيما تؤكِّد لنا "في النهاية قلبي الطاهر سينتصر!" وبالتالي تأتينا من فاطيما رسالة رجاء وخلاص وسلام ونداء لنضع الله محورًا لحياتنا.
إذاعة الفاتيكان.