ليُحضِّر زمن الصوم قلوبنا على مغفرة الله ولنغفر نحن بدورنا أيضًا على مثاله وننسى خطايا الآخرين.
إن كمال الله يملك نقطة ضعف حيث يتوق عدم الكمال البشري تمامًا لعدم القيام بتنازلات أو مساومات، وهي القدرة على المغفرة.
إنطلاقًا من إنجيل القديس متى(18/ 21 -35) والذي نقرأ فيه السؤال الذي وجّهه بطرس ليسوع: "يا رَبّ، كَم مَرَّةً يَخطَأُ إِلَيَّ أَخي وَأَغفِرَ لَهُ؟ أَسَبعَ مَرّات؟" ومن القراءة الأولى من سفر النبي دانيال(3/ 25 - 43 ) التي تتمحور حول صلاة الشاب عزريا الذي كان قد رُمي وسط أتون نار مُتّقدة لأنه رفض أن يسجد لتمثال الذهب، ومن بين ألسنة النيران رفع صلاته ملتمسًا رحمة الله للشعب وطالبًا من الله المغفرة على خطاياه؛
هذا هو أسلوب الصلاة الصحيح، عالمين أنه بإمكاننا أن نعتمد على جانب مميّز من صلاح الله:
فعندما يغفر الله تكون مغفرته كبيرة لدرجة أنه ينسى ما فعلناه، تمامًا بعكسنا وبعكس ما نقوم به، أي الثرثرة: "هذا فعل كذا وذاك كذا..." جامعين بهذا الشكل التاريخ القديم والحاضر للعديد من الأشخاص بدون أن ننسى ولماذا؟ لأن قلبنا ليس رحيمًا! لقد رفع عزريا صلاته قائلاً: "لا تُخزِنا، بل عامِلنا بِحَسَبِ رافتِكَ وكَثرةِ رَحمَتِكَ؛ وأَنقِذنا على حَسَبِ عَجائِبكَ" إنها دعوة لرحمة الله لكي يمنحنا المغفرة والخلاص وينسى خطايانا.
في الإنجيل ولكي يخبر يسوع بطرسَ أنه ينبغي عليه أن يغفر على الدوام ضرب له مثل ملك أراد أن يحاسب عبيده، ولَمّا شَرَعَ في مُحاسَبَتِهم، أَتَوهُ بِوَاحِدٍ مِنهُم عَلَيهِ عَشرَةُ آلافِ وَزنَة، ولأنّه لم يَكُن عِندَهُ ما يُؤَدّي بِهِ دَينَهُ، َأَشفَقَ عليه مولاه وَأَطلقَهُ وَأَعفاهُ مِنَ ٱلدَّين. ولكن هذا العبد لم يرحم صاحبه الذي كان مدينًا له بمبلغ زهيد.
في صلاة الأبانا نحن نصلّي: "اغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن خطئ إلينا" إنها معادلة، إنهما أمران يسيران معًا، فإن لم تكن قادرًا على المغفرة فكيف يمكن لله أن يغفر لك؟ هو يريد أن يغفر لك، ولكنه لا يقدر أن يمنحك مغفرته لأن قلبك مغلق ولا يمكن للرحمة أن تدخل إليه.
قد يقول لي أحدكم: "يا أبت أنا أغفر ولكن لا يمكنني أن أنسى أبدًا الأمور السيئة التي قام بها تجاهي"، أُطلب من الله إذًا أن يساعدك لتنسى. يمكننا أن نغفر ولكن أحيانًا يصعب علينا أن ننسى هذا أمر طبيعي ولكن لا ينبغي علينا أن نبحث عن الإنتقام، بل أن نتعلّم أن نغفر كما يغفر الله: مغفرة كاملة.
رحمة وشفقة ومغفرة! إن مغفرة القلب الذي يمنحنا الله إياها هي رحمة على الدوام: ليُحضِّر زمن الصوم قلوبنا على مغفرة الله، فنقبلها ونغفر نحن أيضًا بدورنا للآخرين من كل قلبنا. قد يكون الشخص الآخر لا يوجّه لي التحيّة ولكن ينبغي عليّ أن أغفر له وأسامحه في قلبي، وهكذا نقترب من رحمة الله.
فعندما نغفر نفتح قلوبنا فتدخل إليها رحمة الله ويغفر لنا، لأننا جميعنا بحاجة للمغفرة وينبغي علينا أن نطلبها. لنغفر فيُغفر لنا، لنتحلّى بالرحمة تجاه الآخرين وسنختبر بدورنا رحمة الله الذي يغفر وينسى.
البابا فرنسيس.
إذاعة الفاتيكان.