دبلن 2018: لقاء البابا السلطات والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي في إيرلندا

متفرقات

دبلن 2018: لقاء البابا السلطات والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي في إيرلندا

 

 

 

 

 

 

 

 

بدأ قداسة البابا فرنسيس صباح يوم السبت زيارته الرسوليّة في إيرلندا للمشاركة باللقاء العالمي التاسع للعائلات الذي يعقد في دبلن تحت عنوان "إنجيل العائلة، فرح للعالم".

 

 

وصل الأب الأقدس إلى مطار دبلن الدولي في تمام الساعة العاشرة والنصف حيث كان في استقباله السفير البابوي في إيرلندا المطران جود تاديوس أوكولو ونائب رئيس الوزراء وبعد مراسم الاستقبال الرسمي توجّه البابا فرنسيس إلى القصر الرئاسي حيث قام بزيارة مجاملة لرئيس البلاد السيّد مايكل هيغينز.

 

 

بعدها انتقل الأب الأقدس إلى "دبلن كاستل" حيث التقى السلطات والمجتمع المدني والسلك الدبلوماسي، وللمناسبة وجّه البابا كلمة قال فيها: 

 

 

 

في بداية زيارتي إلى إيرلندا أعبر عن امتناني للدعوة للتوجّه لهذا الحضور المميّز الذي يمثّل الحياة المدنيّة والثقافيّة والدينيّة في البلاد بالإضافة إلى السلك الدبلوماسي. إن سبب زيارتي، كما تعلمون، هو المشاركة في اللقاء العالمي للعائلات الذي يُعقد هذا العام في دبلن. إن الكنيسة في الواقع هي عائلة من العائلات وتشعر بالضرورة لتقديم العضد للعائلات في جهودها في الإجابة بأمانة وفرح على الدعوة التي منحها الله إياها في المجتمع.

 

 

 

 يطيب لي ان أرى اللقاء العالمي للعائلات كشهادة نبويّة لإرث القيم الأخلاقيّة والروحيّة الغني، والتي ومن واجب كل جيل أن يحرسها ويحميها. لا ينبغي علينا أن نكون أنبياء لنتنبّه للصعوبات التي تواجهها العائلات في مجتمع اليوم الذي يتطوّر بسرعة أو لنقلق بسبب النتائج التي يسببها عدم استقرار الزواج والحياة العائليّة على جميع الأصعدة، ومن أجل مستقبل جماعاتنا.

 

 

 

 

 في العائلة قام كلُّ فرد منا بأول خطواته في الحياة. هناك تعلّمنا أن نتعايش بتناغم وأن نسيطر على غرائزنا الأنانيّة ونصالح الاختلافات ولاسيما أن نميِّز ونبحث عن تلك القيم التي تعطي معنى حقيقيًّا وكمالاً للحياة. لكن غالبًا ما نشعر بعجزنا إزاء الشرور المتواصلة للحقد العرقي والاثني، والنزاعات وأعمال العنف المعقّدة وازدراء الكرامة البشريّة والحقوق الإنسانيّة الأساسيّة والتفاوت المتزايد بين الأغنياء والفقراء. ما أحوجنا، في جميع مجالات الحياة السياسيّة والاجتماعيّة، لاستعادة المعنى لكوننا عائلة شعوب حقيقيّة! ولكي لا نفقد أبدًا الرجاء والشجاعة في المثابرة في الواجب الخلقي في أن نكون صانعي سلام ومصالحين وحرّاسًا لبعضنا البعض.

 

 

 

 

 يذكّرنا الإنجيل بأن السلام الحقيقي هو على الدوام عطيّة من الله؛ ينبعث من القلوب المُضمَّدة والمُصالَحة ويمتدُّ إلى أن يعانق العالم بأسره. ولكنّه يتطلَّبُ منا أيضًا ارتدادًا مستمرًّا كمصدر لتلك الموارد الروحيّة الضروريّة لبناء مجتمع متضامن وعادل بالفعل وفي خدمة الخير العام. بدون هذا الأساس الروحي، يتعرَّض نموذجنا لعائلة عالميّة من الأمم لخطر أن يصبح مجرّد مكان مشترَك فارغ. أعلم جيّدًا حالة إخوتنا وأخواتنا الأكثر ضعفًا – أفكّر بشكل خاص بالنساء اللواتي تألَّمنَ في الماضي بسبب صعوبات معيّنة. وإذ نأخذ بعين الاعتبار واقع الأشدَّ ضعفًا لا يمكننا إلا أن نعترف بالعار الذي سببته في إيرلندا الاعتداءات على القاصرين من قِبَل أفراد من الكنيسة مكلَّفين بحمايتهم وتربيتهم. إنَّ فشل السلطات الكنسيّة في مواجهة هذه الجرائم البغيضة بشكل ملائم قد ولَّد امتعاضًا ونقمة ويبقى سببًا للألم والعار للجماعة الكاثوليكيّة؛ وهذا ما أشعر به أنا أيضًا.

 

 

 

 

 إنَّ كلَّ طفل في الواقع هو عطيّة ثمينة من الله ينبغي حراسته وتشجيعه لكي ينمّيَ مواهبه ويبلغ النضوج الروحي والكمال البشري. إن الكنيسة في إيرلندا قد لعبت، في الماضي والحاضر، دورًا في تعزيز خير الأطفال الذي لا يمكن حجبه بعد الآن. أتمنى أن تساعد خطورة فضائح الاعتداءات، التي أظهرت ضعف العديدين، في التشديد على أهميّة حماية القاصرين والبالغين الضعفاء من قبل المجتمع بأسره. بهذا الشكل ينبغي علينا جميعًا أن ندرك الضرورة الملحّة لنقدِّم للشباب مرافقة حكيمة وقيمًا سليمة لمسيرة نموِّهم.

 

 

 

 لتسعين سنة خلت تقريبًا، كان الكرسي الرسولي من بين المؤسسات الدوليّة الأولى التي اعترفت بدولة إيرلندا الحرّة. وتلك المبادرة قد طبعت بداية سنوات عديدة من التناغم والتعاون الديناميكي تخلّلتها غيمة عابرة واحدة؛ ولكن مؤخَّرًا ساهمت جهود كثيفة وإرادة صالحة من قبل الطرفين في تجديد واعد لعلاقات الصداقة هذه لصالح الجميع. تعيدنا خطوط التاريخ هذه إلى أكثر من ألف وخمسمائة سنة خلت، عندما وجدت الرسالة المسيحيّة مقامًا لها في إيرلندا وأصبحت جزءًا لا يتجزّأ من الحياة والثقافة الإيرلنديّة؛ وقد شعر العديد من القديسين والدارسين بالإلهام لترك هذه الشواطئ وحمل الإيمان الجديد إلى أراضٍ أخرى.

 

 

واليوم كما في الماضي، يجتهد رجال ونساء يقيمون في هذا البلد ليغنوا حياة الأمة بالحكمة النابعة من الإيمان. حتى في الساعات الأكثر ظلامًا لإيرلندا وجدوا في الإيمان الينبوع لتلك الشجاعة وذلك الالتزام الضروريَّين لصوغ مستقبل حريّة وكرامة، عدالة وتضامن. لقد كانت الرسالة المسيحيّة جزءًا لا يتجزّأ من تلك الخبرة وقد أعطت شكلاً للغة وفكر وثقافة هذه الجزيرة.

 

 

 أُصلّي من أجل إيرلندا، لكي وإذ تصغي، إلى بوليفونيّة النقاش السياسي الاجتماعي المعاصر، لا تنسى ألحان الرسالة المسيحيّة التي عضدتها في الماضي ويمكنها أن تستمر في عضدها في المستقبل. بهذه الأفكار أستمطر عليكم وعلى شعب إيرلندا الحبيب بأسره البركات الإلهيّة للحكمة والفرح والسلام.  

 

 

إذاعة الفاتيكان.