قدم رئيس اللجنة البطريركيّة "لسنة الشّهادة والشهداء" في الكنيسة المارونيّة، راعي أبرشيّة البترون المطران منير خيرالله، رسالة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي تحت عنوان "سنة الشّهادة والشّهداء لعام 2017"، في مؤتمر صحافي عقده قبل ظهر اليوم في المركز الكاثوليكيّ للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام.
ويرأس الرّاعي قدّاس افتتاح هذه السّنة، عند السّاعة العاشرة من قبل ظهر الأحد المقبل في 5 شباط في الصّرح البطريركيّ في بكركي.
شارك في المؤتمر رئيس اللجنة الاسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، مدير المركز الكاثوليكيّ للاعلام الخوري عبده أبو كسم، وحضره: الأخت مارتا باسيل، الأب عبدو انطوان، مدير صوت الإنجيل الأب اغسطينوس حلو، وعدد من المهتمّين والإعلاميِّين.
بداية، رحّب المطران مطر بالحضور، وقال: "يسعدنا ان نلتقي سيادة راعي أبرشيّة البترون الحبيب المطران منير خيرالله الذي يزورنا في هذا المركز وهو بيته ليعلن لنا وللملأ عن "سنة الشّهادة والشّهداء" في الكنيسة المارونيّة، التي ستبدأ مع عيد مار مارون في 9 شباط الحالي، فبعد أن عشنا مع قداسة البابا فرنسيس "سنة الرّحمة"، وكانت فرصة لنا لندرك رحمة الآب تلفنا جميعًا ولنعي مسؤولياتنا لنكون رحومين كما أنّه هو رحوم، وأنّ الرّحمة لا تنتهي مع يوبيل، بل هي السّعادة كلّها. من أجل هذا الحدث الكبير نعيش هذا العامّ سنة الشّهادة والشّهداء في الكنيسة المارونيّة مع غبطة أبينا البطريرك الرّاعي حفظه الله.
الكنيسة المارونيّة والشّهادة عنوان، هي أوّلاً شاهدة للمسيح كما المسيح شاهد لأبيه، هي شاهدة على الرّغم من الصّعاب كلّها للأمانة المُطلقة للرّب ولتراث أبائنا وأبنائنا. هي تحيا هذه المحبّة المنفتحة مهما كلّف الأمر على كلّ إنسان وتدعو للتلاقي والتصافي، تعيش في كلّ بقعة من بقاع الأرض، تتعايش مع الجميع وتشهد لربِّها الشّهادة المثلى".
نرحِّب بأن تكون هذه السّنة ملأى بالتأمل والعبر لندرك الثمن الذي دفعناه من أجل هذه الكنيسة والثمن الذي يجب أن ندفعه دائمَا من أجل حريّة أبناء الله أينما كانوا، مؤكّدًا أنّ الشهيد هو الذي يدفع حياته من أجل إيمانه.
ثمّ قدّم المطران منير خيرالله الرّسالة فقال:
"أصدر صاحب الغبطة والنيافة البطريرك مار بشاره بطرس الرّاعي الكلّي الطوبى رسالة "سنة الشّهادة والشّهداء" في الكنيسة المارونيّة ليعلن فيها عن سنة يوبيليّة تبدأ في عيد أبينا القدّيس مارون في 9 شباط 2017، وتختم في عيد أبينا البطريرك الأوّل القدّيس يوحنّا مارون في 2 آذار 2018. وكان سينودس أساقفة الكنيسة المارونيّة قد اتّخذ القرار بالاحتفال بهذه السنة في 18 حزيران 2015.
تهدف هذه السّنة، كما يقول صاحب الغبطة، "أوّلًا إلى الاحتفال بشهدائنا المعروفين، ولا سيّما رهبان مار مارون الثلاثماية والخمسين الذين مرّ على استشهادهم ألف وخمسماية سنة (517)، وتعيد لهم كنيستنا في 31 تموز، والبطريرك دانيال الحدشيتي الذي استشهد منذ سبعماية وأربع وثلاثين سنة (1283)، والبطريرك جبرائيل حجولا الذي مرّ على استشهاده ستماية وخمسون سنة (1367)، والطوباويين الشهداء الإخوة المسابكيين الذين استشهدوا مع عدد كبير من الموارنة سنة 1860 وتعيد لهم كنيستنا في 10 تموز.
وتهدف ثانيًا إلى وضع لائحة بأسماء أبناء كنيستنا وبناتها الذين أراقوا دماءهم في سبيل إيمانهم بالمسيح، رأس الشهداء، وهم غير معروفين ويعود استشهادهم إلى حقبات مختلفة من التاريخ عرفت فيها كنيستنا أشدّ الاضطهادات، من مثل أيّام حكم المماليك والعثمانيِّين، وأحداث 1840 و1860، ومجاعة الحرب العالميّة الأولى، والحرب اللبنانيّة الأخيرة".
يشرح صاحب الغبطة في القسم الأوّل من رسالته مسوغات الاحتفال بسنة الشّهادة والشّهداء. ويقول تندرج هذه المبادرة في إطار الأمانة للتقليد الكنسيّ الرسوليّ والآبائي وتشكل تلبية للدّعوة التي وجهّها القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني إلى الكنائس المحليّة، في رسالته الرسوليّة "إطلالة الألفيّة الثالثة"، الصّادرة في 10 تشرين الثاني 1994: "على الكنائس المحليّة أن تبذل كلّ جهد لئلا تترك ذكر الذين أدّوا شهادة الدّم يضيع، وتجمع في هذا السبيل كلّ الوثائق اللازمة، الأمر الذي لا يمكن إلّا أن يأخذ طابعًا مسكونيًّا بليغـًا. فصوت اتّحاد القدّيسين أقوى من صوت دعاة الشقاق، وسيرة الشّهداء الأولين كانت الأساس في تكريم القدّيسين. والكنيسة في إعلان وتكريم قداسة أبنائها وبناتها كانت تؤدّي التكريم السّامي إلى الله نفسه، وفي الشّهداء كانت تكرّم المسيح منبع شهادتهم وقداستهم. إنّ كنيسة الألفيّة الأولى ولدت من دمّ الشّهداء. وفي نهاية الألفيّة الثانية صارت الكنيسة مجدّدًا كنيسة الشّهداء. فقد أدّت الاضطهادات على المؤمنين، كهنة ورهبانًا وعلمانيِّين، إلى زرع وفير من الشّهداء في شتى أنحاء العالم. وأصبحت الشّهادة المؤداة للمسيح حتى الدّم تراثـًا مشتركًا بين كلِّ المسيحيِّين. إنّها شهادة يجب ألا تنسى.
وفي تلبية هذه الدّعوة، "إننا نجمع إرث أبناء وبنات كنيستنا المارونيّة وخصوصًا الشّهداء منهم والشّهيدات، ونقدّمهم نموذجًا لعيش الأمانة للإنجيل والإيمان بالمسيح، في عالمنا المعاصر، ونحن في بدايات الألفية الثالثة. وهكذا تحافظ كنيستنا على ذاكرتها التاريخيّة وتظلّ بحكم دعوتها، وعلى مدى التاريخ، شاهدة حتى الدّم لمعلّمها الإلهيّ يسوع المسيح الذي أكّد لرعاتها كما لرسله: "ستعطون الرّوح القدس، فتنالون قوّة، وتكونون لي شهودًا... حتى أقاصي الأرض" (أعمال1: 8).
ويشرح في القسم الثاني مفهومَيّ الشّهادة والاستشهاد في الكتب المقدّسة وتعليم الكنيسة. ويحدّد أنّ "الشّهادة في الكتب المقدّسة تكتمل في الاستشهاد. فالشّهيد هو الذي أدّى شهادة الإيمان بالمسيح في أعماله وأقواله وتصرّفاته، وتوجَّها بشهادة الدّم". أمّا في تعليم الكنيسة، "فالاستشهاد هو الشّهادة السُميا لحقيقة الإيمان، شهادة تصل حتى الموت. والشهيد يؤدّي الشّهادة للمسيح الذي مات وقام، متّحِدًا معه بالمحبّة". وقد "حرصت الكنيسة على أن تجمع بعناية كبيرة تذكارات الذين بلغوا إلى النهاية في إعلان إيمانهم. وهي أعمال الشّهداء التي تشكل محفوظات الحقيقة المكتوبة بحروف من دمّ" (كتاب التعليم المسيحي، عدد 2474).
في دعاوى إعلان الطوباويين والقدّيسين، تضع الكنيسة قواعد لتمييز الشّهداء في وثيقة "أمّ القدّيسين" الصّادرة عن مجمع دعاوى القدّيسين في 17 أيّار 2007. وتعتبر أنّ بذل الذات من أجل المسيح هو الطريق الأفضل نحو القداسة. وتجري تحقيقـًا دقيقـًا حول حياة الشّخص واستشهاده وشهرة الاستشهاد والعلامات. وفوق ذلك يجب التأكّد من أنّ سبب الاستشهاد هو الإكراه في الدّين من قبل المضطهد أو الحضّ على إنكار الإيمان، بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، من دون اعتبار الأسباب السياسيّة أو الإجتماعيّة أو ما شابهها.
يتكلم غبطته في القسم الثالث على الكنيسة المارونيّة بصفتها "كنيسة الشّهود والشّهداء". ويشرح أنّها "اتّخذت، منذ نشأتها مع بطريركها الأوّل القدّيس يوحنّا مارون وفي انتشارها المستمر من بعده، خط الروحانيّة التي أسسها القدّيس مارون وتلاميذه في جبال قورش والتي سعت إلى تطبيق الإنجيل بأصالة في حياة زهد ونسك وصلاة وتبشير. وتميزت تلك الروحانيّة بحياة متكاملة جمعت بين النسك، الذي تميز بالعيش في العراء وعلى قمم الجبال والوقوف المستمر والصّلاة المتواصلة والسّهر والصّمت العميق وبالتقشف وقهر الذات والعمل في الأرض واستثمارها والعيش من ثمارها بحريّة وكرامة". واتّبع الموارنة مقوّمات هذه الروحانيّة في مسيرتهم عبر الأجيال وتحمّلوا أشدّ العذابات والاضطهادات في سبيل الحفاظ على إيمانهم وحرّيتهم واستقلاليتهم، ولا سيّما في أيّام المماليك والعثمانيِّين والحرب العالميّة الأولى بما عانوا من المجاعة.
في القسم الرّابع، يتناول غبطته بعض تفاصيل الاحتفال بسنة الشّهادة والشّهداء. ويدعو جميع أبناء وبنات الكنيسة المارونيّة في لبنان والنطاق البطريركيّ وبلدان الانتشار "إلى الاحتفال بهذه السنة عبر المشاركة في النشاطات التي تحييها الأبرشيّات والرّعايا والرّهبانيات والأديار والأخويّات والحركات الرسوليّة والمؤسّسات الكنسيّة والمدارس والجامعات والأندية الثقافيّة والمفكّرون والمؤرِّخون والفنانون والعائلات ووسائل الاتّصال والتواصل". ويدعو الجميع إلى العمل معًا على "جمع المعلومات عن شهداء كنيستنا عبر الأجيال وإبراز سير الشّهداء المعروفين والمجهولين والمنسين". ويضيف أنّه طلب "من بعض المؤرخين في كنيستنا أن يعملوا على توضيح التاريخ، ولا سيّما تاريخ الشّهداء منذ بداية كنيستنا وحتى اليوم، وبنوع خاصّ استشهاد تلاميذ مار مارون الـ 350 والبطريركـَـيْن دانيال الحدشيتي وجبرائيل حجولا.
إذ كان لا بدّ من تنظيم احتفالات هذه السّنة وتنسيق النشاطات، فقد عيّن غبطته لجنة بطريركيّة ورسم لها خارطة طريق في اقتراح بعض المباردات؛ ومنها:
- تنظيم حملة هادفة إلى التعريف بالشّهادة والاستشهاد في كنيستنا.
- إقامة رياضة روحيّة وخلوات وندوات وإحياء احتفالات ومسيرات صلاة وزيارات حجّ إلى الأماكن المقدّسة وإلى كنائس وأديار الشّهداء.
- تنشيط حركة أبحاث علميّة تأريخيّة ولاهوتيّة تقوم بها بخاصّة الجامعات حول تاريخ الشّهادة والشّهداء في كنيستنا.
وأشار إلى أنّ الرّاعي ختم رسالته قائلًا بأنّ "سنة الشّهادة والشّهداء هي مناسبة فريدة لتجديد التزامنا المسيحيّ بالشّهادة للمسيح، والاستعداد لتأديتها حتى شهادة الدّم، من أجل انتصار المحبّة على الحقد، والسّلام على الحرب، والأخوّة على العداوة، والعدالة على الظلم. وهي سنة تنتزع الخوف من قلوبنا، فيما نشهد في أيّامنا اعتداءات واضطهادات على المسيحيِّين في أنحاء عديدة من العالم، وخصوصًا في بلدان الشّرق الأوسط قتلا ودمارًا وتشريدًا وتهجيرًا. وقد وصف قداسة البابا فرنسيس هذا الواقع بقوله: واليوم أيضًا تعاني الكنيسة أقسى الاضطهادات، في أماكن عديدة، حتى الاستشهاد. إخوة وأخوات لنا يعانون من الظلم والعنف والاضطهاد وهم مبغضون من أجل اسم المسيح. شهداء اليوم هم أكثر من شهداء القرون الأولى".
في سنة الشّهادة والشهداء، نرفع عقولنا وأفكارنا إلى أمّنا العذراء مريم سلطانة الشّهداء، راجين أن تكون هذه السّنة زمن رجاء وصمود، من أجل أن يكتمل عمل الفداء الذي بدأه وأتمّه المسيح ربّنا. ولتكن هذه السّنة حافزًا لاقتفاء آثار شهودنا وشهدائنا، فيكونوا شُفعاء لنا ومثالا في اتّباع المسيح والشّهادة لمحبّته، في العطاء والتضحية والغفران والمصالحة".
كما تحدّث الخوري أبو كسم فقال: "البابا فرنسيس يقول "لا نستطيع أن نتكلّم عن كنيسة يسوع من دون ذكر الشّهداء فيها"، ويعني بذلك أن للكنيسة شهداء منذ انطلاقة المسيحيّة حتى يومنا هذا وخصوصًا المسيحيِّين الذين تهجَّروا من سوريا والعراق ومنطقة الشّرق الأوسط.
نعلم أنّ الكثير فقد أولاده أثناء الحرب، وهناك مفقودون كثر، فهل نعتبرهم شهداء أم لا؟ هناك أيضًا الكثير من الجنود والعسكر قتلوا في الحرب فهل نعتبرهم أيضًا شهداء؟ فإذا كانوا كذلك فتكون تعزية للأهل وسنة بركة تعطي للشهادة قيمتها الإنسانيّة والمسيحيّة".
ورجّ المطران خيرالله بالقول: "الكثير من الاسئلة تطرح حول تشخيص شهداء الكنيسة، في قلب اللجنة البطريركيّة هناك لجنة مصغّرة تاريخيّة ولاهوتيّة تتبع القوانين الكنسية في إعلان فلان أو فلان شهيدًا. هذه عمليّة صعبة ولكن كنيستنا هي كنيسة شهود، شهدت للمسيح في كلّ الظروف التي مرّت بها، وهناك شهداء معلنين وشهداء منسيِّين ولكن هناك معايير كنسيّة قانونيّة ولاهوتيّة تحدّد ذلك".
الوكالة الوطنية للإعلام.