خطران يهددان المؤمنين

متفرقات

خطران يهددان المؤمنين




خطران يهددان المؤمنين


"هناك خطران يهدّدان المؤمنين: تجربة تأليه أمور الأرض وعبادة العادات كما ولو كانت ستدوم إلى الأبد، فيما أنّ الله هو الجمال الوحيد الأزليّ والذي ينبغي علينا أن نوجّه أنظارنا إليه" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئّسًا القدّاس الإلهيّ في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان.


قال الأب الأقدس: الله هو الجمال العظيم، وهذا ما يقوله لنا أيضًا اليوم صاحب المزمور19: "اَلسَّماواتُ تَنطِقُ بِمَجدِ ٱللهِ وَالفَضاءُ يُخبِرُ بِما صَنَعَت يَداهُ" لكن المشكلة أنّ الإنسان غالبًا ما يسجد لما هو مجرّد انعكاس لهذا المجد والذي سيفقد بريقه يومًا ما، والأسوأ من هذا الأمر عندما يصبح الإنسان متعبّدًا للملذّات الزائلة.


استهل البابا فرنسيس عظته انطلاقـًا من القراءة الأولى التي تقدّمها لنا اللّيتورجيّة اليوم من سفر الحكمة (13/ 1-9) ومن المزمور التاسع عشر ليتوقّف في تأمّله عند عبادتين للأصنام التي يمكن أن يتعرّض لهما الإيمان، وقال تحدّثنا القراءات عن جمال الخليقة لكنّها تسلّط الضوء أيضًا على خطأ بعض الأشخاص الذين لم يتمكّنوا من النظر أبعد من جمال الأمور الخارجيّ أي إلى ما هو أسمى: إلى الله، وهذا الموقف يُسمّى "عبادة الأمور الأرضيّة" إذ يتوقف المرء عند الجمال الخارجيّ دون الذهاب أبعد من ذلك.


 هناك أشخاص متعلّقون بهذه العبادة؛ وقد أُبهروا بقوّة وطاقات هذه الأمور الأرضيّة، وبالتالي لم يفكّروا بما هو أسمى وبما يفوقها، بالذي خلقها والذي هو مبدأ وصانع الجمال. إنّها عبادة الأمور الجميلة دون التفكير بأنّ هذه الأمور ستصل إلى مغيبها يومًا ما. وهذه العبادة التي تجعلنا نتعلّق بالجمال بدون أن نتمكّن من الوصول إلى الله هي تجربة جميعنا معرّضين لها. إنّها "عبادة الأمور الأرضيّة"، نعتقد أنّ الأمور ستبقى كما هي ولن يكون لها نهاية وننسى المغيب الذي بانتظارها.


أمّا التجربة الثانية فهي تجربة العادات التي تجعل القلب أصمّ. في إنجيل لوقا (17/ 26-37) يصف يسوع الرّجال والنسّاء في أيّام نوح وفي أيّام سدوم الذين كانوا "يَأكُلونَ وَيَشرَبون، وَٱلرِّجالُ يَتَزَوَّجونَ وَٱلنِّساءُ يُزَوَّجنَ" بدون أن يهتمّوا للآخرين من حولهم إلى أن جاء الطوفان وأمطرت السّماء كبريتًا ونارًا وهلكوا جميعًا.


 كلّ شيء هو عادة! هكذا هي الحياة وهكذا نعيش بدون أن نفكّر في مغيب هذه الحياة. وهذا أيضًا هو نوع من عبادة الأصنام: أن نكون متعلّقين بالعادات بدون التّفكير بأن هذه أيضًا ستنتهي يومًا ما. والكنيسة تجعلنا ننظر إلى هدف جميع هذه الأمور لأنّ العادات بإمكانها أن تصبح أيضًا بدورها أصنام. فكما أنّ الجمال سينتهي يومًا ما هكذا أيضًا العادات.


لذلك حثّ الأب الأقدس المؤمنين للنظر أبعد من العادات والأمور المخلوقة، للنظر إلى الله الواحد كما تعلّمنا الكنيسة أيضًا في هذه الأيّام الأخيرة من السنة الليتورجيّة بألّا نكرّر الخطأ المميت بالإرتداد إلى الوراء كما فعلت امرأة لوط، واثقين أنّه إن كانت الحياة جميلة فالمغيب سيكون بدوره أجمل.


فنحن المؤمنون لسنا أشخاص يرتدّون إلى الوراء ويستسلمون، وإنّما نحن نسير دائمًا قدمًا إلى الأمام. وهكذا ينبغي أن نسير: دائمًا إلى الأمام نتمتّع بالجمال ونعيش عاداتنا ولكن بدون أن نؤلّههما لأنّهما سينتهيان يومًا ما... لتكن هذه الأمور الجميلة وهذه العادات التي نعيشها مجرّد انعكاس للجمال الأعظم فنعيش هكذا في نشيد أبديّ في تأمّل مجد الله.  


       إذاعة الفاتيكان.