"رجعت مريم المجدليّة وأخبرت التّلاميذ أنّها رأت الرّب" (يو 20: 18).
إخواني السّادة المطارنة الأجلاّء،
والآباء والرّهبان والراهبات المحترمين،
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء.
1. عند ترائي يسوع القائم من الموت لمريم المجدليّة، في صباح الأحد الباكر، وهي في حالة بكاء وبحث عن جثمانه الطّاهر، وقد رأت القبر فارغًا، أدركت أنّه قام من الموت. وهي الّتي اختبرت نعمة القيامة إذ سبق وأخرجها يسوع من موتها الرّوحي بخطاياها، على ما يروي القدّيس لوقا في إنجيله (راجع لو 8: 2). فجعلها رسولة القيامة وأرسلها لتخبر إخوته. "فرجعت مريم وأخبرت التّلاميذ انّها رأت الرّب، وأنّه قال لها هذا الكلام" (يو 20: 17-18).
2. يسعدنا أن نختتم معًا أسبوع الصّلاة من أجل وحدة الكنائس، وكان موضوع التأمّلات والصّلاة الدّعوة إلى المصالحة، بكلمة بولس الرّسول: "محبّة المسيح تحثّنا على المصالحة" (2كور 5: 14-20)؛ واختير موضوع هذا اليوم الأخير من مضمون الإنجيل الّذي تلوناه: "من يلتقي بيسوع القائم من الموت يصبح رسولاً" (راجع يو 20: 11-18).
ويطيب لي أن أحيّيكم جميعًا، وكل الّذين أحيوا أسبوع الصّلاة في مختلف المناطق، وفقًا لبرنامج الإحتفالات وبخاصّة سيادة أخينا المطران جوزف معوّض، رئيس اللّجنة الأسقفيّة للعلاقات المسكونيّة، والأب ميشال الجلخ أمين عام مجلس كنائس الشّرق الأوسط. ونشكر سيادة المطران سيزار أسّيان، مطران اللاّتين، على الدّعوة للمشاركة في صلاة الختام، والآباء القيّمين على خدمة هذه الكاتدرائيّة.
3. أودّ في هذا التأمّل أن نقرأ معًا نص الإنجيل في ضوء السّعي إلى وحدة الكنائس. إنّ مريم، الّتي تبكي باحثة عن جثمان يسوع (يو 20: 11)، ترمز إلى الكنيسة الّتي تبكي انقساماتها، وبها نقضت دعوة المسيح رأسها وصلاته "ليكون تلاميذه بأجمعهم واحدًا، مثلما الآب والإبن واحد" (راجع يو 17: 11). وقد صلّينا طيلة هذا الأسبوع:
"اجعلنا أيّها الرّب يسوع، أن نشعر بعدم أمانتنا، ونتألّم لانقساماتنا. أعطنا صدقًا فنعرف حقيقتنا، وشجاعة فنطرح عنّا ما يكمن فينا من لامبالاة وريبة، ومن عداء متبادل".
4. إنّ دعوة الملاكين ويسوع القائم لمريم بألاّ تبكي، من خلال سؤال متكرّر: "لماذا تبكين، يا امرأة"؛ (الآيتان 13 و 15)، كانت دعوة لها للإيمان بقيامة يسوع، كما سبق وأعلن قبل صلبه أكثر من مرّة.
وهي دعوة تستحثّ الكنيسة، و تستحثّنا كلنا لعدم التوقّف عند الإنقسامات القائمة، لئلاّ نعتاد عليها، وتصبح مجرّد صلاة جامدة، أو موضوعًا أكاديميًا نستفيض في الكلام عنه. لم تخرج المجدليّة من أسر بكائها، لتدخل في فرح ورجاء القيامة، إلاّ بعدما ناداها يسوع نفسه باسمها "مريم".
ليست المرّة الأولى يناديها باسمها، بل هذه المرّة هي دعوة إلى الصحوة، إلى النّظر من منظار المسيح، لا من المنظار البشري. إنّ سرّ المسيح لا يُحبس كلّه بين دفّتي كتاب لاهوت، ولا يكبّل بعبارات، ولا يُحدّد بكلمات.
وإن فعلتْ، وهذا ضروري ولازم، فتفعله جزئيًّا. فلا بدَّ من أن نتخلّى دائمًا عن منطقنا ونظرتنا الخاصّة، لكي ندخل في رحاب سرّه غير المدرك على هدي الرّوح القدس، الّذي "يعلّمنا الحقيقة كلّها" (يو 16: 13).
5. عندما دعا يسوع مريم باسمها، وهتفت "رابوني" – "يا معلّمي" (يو 20: 16)، تغيّرت وجهة نظرها. كانت تتمسّك بجثمانه الضّائع، أمّا الآن فبشخصه وبتعليمه. "رابوني"، علّمني سرّك. دلّني إلى الطريق الّذي ينبغي أن أسير فيه، لكي ألتقيك وألتقي إخوتي البشر، على تنوّع آرائهم وقواهم ونقاط ضعفهم.
لقد عشنا، طيلة أسبوع الصّلاة، جمال وحدتنا. وظهرت أهمّية هذا الأسبوع في رغبتنا جميعًا بأن نبني وحدتنا، على مستوى كنائسنا، ومن خلالها على مستوى العائلة الوطنيّة. إنّ لوحدة الكنائس دورًا كبيرًا في بناء وحدة المجتمع والوطن.
على هذا البعد ينطوي إرسال يسوع لمريم المجدليّة إلى التلاميذ لتخبرهم عن قيامته، التي هي أساس وحدتهم بشخصه، النّابعة من الآب: "قولي لهم: أنا صاعد إلى أبي وأبيكم، إلهي وإلهكم" (يو 20: 17). بقيامته جعل البشر كلّهم، المتمثّلين بالتلاميذ، إخوته؛ وبه، ابن الآب بالطّبيعة، أبناءً للآب بالنّعمة؛ وبواسطته، كوسيط وحيد، يصلون إلى الآب.
6. من هذا الإعلان ينبثق العمل المسكوني بين الكنائس، وانطلاقًا منه تقيم كنيسة المسيح حوارها مع سائر الأديان، بقوّة الرّجاء. فالقيامة لا تقتصر على قيامة الرّبّ يسوع من الموت، بل تشمل كل إنسان، كما تشمل الكنيسة بوجهها البشري، أفرادًا ومؤسّسات وهيكليّات، وإلاّ فقدت هذه قيمتها في تدبير الله الخلاصي. بهذا المعنى أكّد بولس الرّسول: "لو لم يقم المسيح، لكان تبشيرُنا باطلًا، وإيمانُنا باطلًا، ولكنّا بعد في خطايانا" ( 1كور 15: 14 و17).
إنّنا برجاء القيامة نسير نحو "سماء جديدة وأرض جديدة"، كما رآهما يوحنا الرّسول ( رؤيا 21: 1). ونرفع المجد والتسبيح لمحبّة الآب، ونعمة الإبن، وشركة الرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
موقع بكركي.