إستقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الجمعة في قاعة كليمينتينا في القصر الرّسوليّ بالفاتيكان المشاركين في المؤتمر الدوليّ لراعويّة الدعوات وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال إن اختياركم لعنوان المؤتمر: "نظر إليه برحمة واختاره" لم يكن من باب الصدفة.
أنتم تعرفون أنّني اخترت هذا الشِّعار لتذكّر سنوات الشباب التي شعرت خلالها بقوّة بدعوة الرّب لي؛ إن اختياري لهذا الشعار لم يأتِ بعد مؤتمر ما أو نظريّة جميلة وإنّما بعد أن اختبرت نظرة يسوع الرّحيمة لي. وبالتالي فإنّه لأمر جميل أنّكم جئتم من مختلف أنحاء العالم لتتأمّلوا حول هذا الموضوع ولكن من فضلكم لا تدعوا كلُّ شيء ينتهي مع انتهاء هذا المؤتمر الجميل!
يسلّط الإنجيليّون الضوء غالبًا على جانب خاص من رسالة يسوع: هو يخرج إلى الطرقات ويسير، ويعبر القرى والمدن ويذهب للقاء آلام ورجاء الشّعب. إنّه "الله معنا" الذي يعيش في وسط بيوت أبنائه ولا يخاف من مخالطة حشود مدننا ولا من أن يصبح خميرة حداثة حيث يكافح الأشخاص من أجل حياة مختلفة. وبالتالي يمكننا أن نتوقّف عند هذه الكلمات الثلاثة التي تشير إلى ديناميكيّة كلّ راعويّة للدعوات: الخروج، النظرة والدعوة.
أوّلاً الخروج. إنّ راعويّة الدّعوات تحتاج لكنيسة في حركة دائمة قادرة على توسيع حدودها، فتقيسها لا استنادًا إلى الحسابات البشريّة الضيّقة وإنما استنادًا إلى وسع قلب الله الرّحيم. لذلك ينبغي علينا أن نتعلّم أن نخرج من قساواتنا التي تجعلنا غير قادرين على نقل فرح الإنجيل، ومن الصيغ والتحاليل التي تُصنّف حياة الأشخاص في مُخططات باردة.
هذا الأمر أطلبه بشكلٍ خاصّ من رعاة الكنيسة والأساقفة والكهنة: أنتم المسؤولون الأوائل عن الدّعوات المسيحيّة والكهنوتيّة ولا يمكن ربط هذه الرّسالة بوظيفة بيروقراطيّة. أنتم أيضًا قد عشتم لقاء غيّر لكم حياتكم، عندما جعلكم كاهن آخر – كاهن الرعيّة أو المعرّف أو المرشد الروحيّ – تختبرون جمال محبّة الله؛ وهكذا أيضًا بالخروج والإصغاء للشباب يمكنكم أن تساعدوهم على تمييز حركات قلوبهم وتوجيه خطواتهم.
ثانيًا النظر. عندما كان يسوع يسير في الطرقات، كان يتوقّف وينظر إلى الآخر مطولاً وبدون عجلة وهذا ما كان يجعل دعوته جذّابة. أمّا اليوم وللأسف فعجلة وسرعة الحوافز التي نخضع لها لا تُفسح المجال لذلك الصّمت الداخليّ الذي يتردَّدُ فيه صدى دعوة الربّ. فيما يُرينا الإنجيل أنّ الدّعوة تبدأ بنظرة رحمة علينا. وبالتالي فتلك العبارة "برحمة" تُعبِّر في الوقت عينه عن عناق العينين والقلب، بهذه الطريقة نظر يسوع إلى متى، وأخيرًا لم يشعر هذا العشار بنظرة ازدراء أو إدانة وإنّما شعر بأنّه قد نُظر إليه بمحبّة.
يطيب لي أن يكون هكذا أيضًا أسلوب راعوية الدعوات، واسمحوا لي في الوقت عينه أن أتصوّر نظرة كل راع: متنبّه وقادر على التوقف والقراءة في العمق والدخول في حياة الآخر بدون أن يجعله يشعر بأنّه مهدّد أو محكوم عليه. إنها نظرة الراعي القادرة على خلق الدهشة للإنجيل وإيقاظ الشخص من السبات الذي تجعله يغوص فيه ثقافة الاستهلاك والسطحيّة، إنها نظرة تمييز ترافق الأشخاص بدون أن تستولي على ضمائرهم أو أن تدّعي بأنها تسيطر على نعمة الله.
ثالثًا الدعوة وهي العبارة النموذجيّة للدعوة المسيحية. يسوع لا يلقي خطابات طويلة ولا يقدّم برنامجًا ينبغي إتباعه ولا يقدِّم أجوبة جاهزة. وإذ توجّه إلى متى قال له فقط: "اتبعني!"، بهذه الطريقة ولّد فيه سحر اكتشاف هدف جديد وفتح له حياته على أفق أكبر من طاولة الجباية التي كان يجلس إليها. إن رغبة يسوع هي بأن يضع الأشخاص في مسيرة ويحرّكهم من الركود المميت ويكسر وهم بأنه يمكننا أن نعيش سعداء بجلوسنا برخاء بين ضماناتنا. هذه الرغبة بالبحث والتي غالبًا ما تُقيم في الشباب هي الكنز الذي يضعه الرب بين أيدينا والذي يجب علينا أن نعتني به كي يثمر.
أريد أن أقول لكم ثابروا على الاقتراب من الآخرين وعلى الخروج لتزرعوا الكلمة من خلال نظرات رحمة. إن راعوية الدعوات قد أوكِلت إلى عملكم الراعوي وتمييزكم وصلاتكم، اهتمّوا بتعزيزها متبنّين الأساليب الممكنة ومن خلال التمييز والتحفيز. لا تخافوا من إعلان الإنجيل ومن لقاء الشباب وتوجيه حياتهم، ولا تخجلوا من أن تقترحوا عليهم الحياة الكهنوتيّة مظهرين لهم أولاً من خلال شهادتكم الفرحة جمال إتباع الرب وبذل الحياة في سبيله للأبد.
إذاعة الفاتيكان.