"لنتنبّه لكي لا نضيّع الطريق، لأنّه من الخطيئة يمكننا الوصول إلى الفساد" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان، وقد استهل الأب الأقدس تأمّله الصباحي انطلاقًا من إنجيل القديس لوقا(16/ 19 -31) والذي يخبرنا فيه الرب مثل الرجل الغني ولعازر الفقير ليشدّد على أنّه ينبغي علينا اليوم أيضًا أن نتنبّه من الإنغلاق على أنفسنا وتجاهل الفقراء والمشرّدين في مدننا.
توقّف الأب الأقدس في عظته أيضًا عند صلاة الجماعة التي تقدّمها لنا الليتورجيّة والتي نقرأ فيها: "تفحّص يا الله قلبي؛ أُنظر إن كنت أسير في درب الكذب وقُدني على درب الحياة" وعند القراءة من سفر إرميا(17/ 5) التي نقرأ فيها "مَلعونٌ الرَّجلُ الَّذي يَتَوَكَّل على البَشَر ويَجعَلُ اللَّحمِ ذراعًا لَه وقَلبُه يَنصَرِفُ عنِ الرَّبّ" ، وأشار البابا في هذا الإطار إلى خصوبة الرجل الذي يثق بالرب وعقم الرجل الذي يتّكل على نفسه وعلى السلطة والمال، وقال هذه الدرب هي درب خطيرة وزلِقة؛ لأنني عندما أثق بقلبي وحسب – وهو أَخدَعُ كُلِّ شيَء وأَخبَثُه – يصبح الأمر خطيرًا بالنسبة لي.
عندما يعيش المرء منغلقًا في بيئته يتنفّس فقط هواء خيوره واكتفائه وكبريائه وشعوره بالأمان ويتّكل بالتالي على نفسه فقط فيفقد توجّه ولا يعرف بعدها ما هي حدوده، وهذا ما يحصل مع الغني الذي يخبرنا عنه إنجيل لوقا والذي كان يمضي حياته متنعِّمًا بالمآدب الفاخرة ولم يعتنِ بالفقير الملقى عند باب بيته. لقد كان يعرف هويّة ذلك الفقير، لأنّه عندما تكلّم مع أباه إبراهيم قال له "ارحَمني فأَرسِل لَعاَزر"، لقد كان يعرف اسمه إذًا ولكن لم يكن يهمّه أمره.
هل يمكننا القول إنه كان رجلاً خاطئًا؟ نعم ولكن يمكن للمرء أن يرجع عن خطيئته: يطلب المغفرة والرب يسامحه. ولكن قلب هذا الغني كان قد حمله على درب الموت التي لا رجوع عنها، لأنّه هناك نقطة أو لحظة وحدود يصعب بعدها العودة إلى الوراء منها وهي عندما تتحوّل الخطيئة إلى فساد، وذلك الغني لم يكن خاطئًا بل فاسدًا، لأنّه كان يرى البؤس الذي يحيط به ولكنّه كان يعيش حياته سعيدًا بدون أن يهتمّ لأحد أو لشيء.
مَلعونٌ الرَّجلُ الَّذي يَتَوَكَّل على نفسه وعلى قلبه لأنّ القَلبُ أَخدَعُ كُلِّ شيَء وأَخبَثُه، ماذا نشعر في قلوبنا عندما نسير في الشارع ونلتقي بالمشرّدين أو بالأطفال الذين يتسوّلون؟ هل أفكّر في نفسي أنّهم ينتمون إلى تلك الإثنيّة التي تُعرف بالسرقة... وأتابع طريقي؟ وماذا يكون شعوري؟ هل أصبح هؤلاء الأشخاص جزءًا من المناظر التي أراها خلال نزهتي وبالتالي أصبحوا جزءًا من المدينة كمطلق أي شيء أراه في طريقي؟ هل هذا أمر طبيعي؟ تنبّهوا!! ولنتنبّه جميعًا، لأنّه عندما تصبح هذه الأمور طبيعيّة بالنسبة لنا فهذه علامة بأننا لا نسير على الدرب الصحيح.
بعدها حث البابا الجميع على التنبّه لأننا نسير على طريق زلِقة تقود من الخطيئة إلى الفساد، وقال ليسأل كل منا نفسه: ماذا أشعر عندما أشاهد في الأخبار سقوط قنبلة على مستشفى للأطفال ويموت العديد منهم؛ هل أقول في نفسي مساكين هؤلاء، وأقدم لهم صلاة صغيرة وأتابع حياتي كأنَّ شيئًا لم يكن؟ هل يلمس هذا الأمر قلبي؟ أم أنني كذلك الغني الذي لم تلمس قلبه مأساة لعازر الفقير المُلقى عند بابه؟ إن كان الأمر هكذا فأنا أسير على الدرب المؤدّي من الخطيئة إلى الفساد...
لنطلب من الرب قائلين "تفحّص يا رب قلبي. أنظر إن كنت أسير على الدرب الخاطئة أو تلك الزلقة التي تقود من الخطيئة إلى الفساد، والتي لا يمكن الرجوع عنها"، ولتكن اليوم صلاة كل واحد منا: "تفحّص يا رب قلبي، وأفهمني ما هي الدرب التي أسير عليها"
إذاعة الفاتيكان.