تعالوا إليّ جميعاً أيها المُرهقون المٌثقلون، وأنا أُريحكم

متفرقات

تعالوا إليّ جميعاً أيها المُرهقون المٌثقلون، وأنا أُريحكم




تعالوا إليّ جميعاً أيها المُرهقون المٌثقلون، وأنا أُريحكم


يسود بلادنا في الشّرق الأوسط قلق من المستقبل لاسيّما عندما يتعلّق الأمر بالمسيحيّين. وتأتينا من مصر، من سوريا، ومن لبنان صور تصدمنا وتبثّ فينا الإضطراب، صور مُخيفة قد تسبّب لنا الكثير من فقدان الثقة.


 إنّنا بحاجة إلى قراءة الكتاب المقدّس كونه رسالة رجاء من أجلنا، أكثر منه إلى تفسير تعليميّ. 


فالإنسان يعاني، تحت تأثير وسائل الإعلام أو بسبب الضغوط السياسيّة الراهنة، من الشّعور بالشلل، القلق والإحباط، فيأتي الله ليقول له في قراءة نصّ حزقيال (حز 17 / 22-24) ومِن بعده النصّ الإنجيليّ مرقس (مر 4/ 26-34) إنّ الغصن الأخضر اليافع، لكنّه هشّ، الذي سآخذه من ناصية الأرز العالي، لأغرسه في مكان آخر، سوف لن يموت أو يصبح يابسًا. لكنّه سيُنشئ أغصانًا جديدة، ويُعطي ثمرًا ويصير أرزًا جليلاً، فيأوي كلّ طائر في ظلّ أغصانه ويكون النّاس بأمان. و(مزمور91) يقول الكلام نفسه: "البارّ ينمو مثل أرز لبنان... ما زالوا في المشيب يُثمرون، وفي الإزدهار والنضارة يظلّون".


وكأنّ الله يقول لنا: ثِق بي! "إني أنا الرّبّ وضعتُ الشّجر العالي ورفعتُ الشّجر الوضيع". لقد أنشدتِ العذراء مريم أمام أليصابات الحقيقة ذاتها: تُعظّم الربّ نفسي ...، لأنّه حطَّ الأقوياء عن العروش ورفع الوضعاء" (لو 1: 52).


صحيح، أنّ شجرة الحياة الّتي زرعها الله في جنّة عدَن، قد يبست بسبب عصيان آدم؛ لكنّ شجرة الموت الّتي هي الصّليب قد أزهرت من جديد بسبب محبّة ابن الله وطاعته.


إنّ ملكوت الله ليس كالمُلك الأرضيّ، الّذي تُقاس أهمّيّته بقوّة الأسلحة ومتانة السّوق الاقتصاديّة. فوجود ملكوت الله في وسائل الإعلام شبه معدوم ولا يتمّ قياسه من طريق الإحصائيّات والميزانيّات؛ لكنّه ينمو داخل القلوب.


إنّه لا يفرض نفسه، كأرزةٍ شامخة، على رؤوس الجبال. فهو لا يظهر غالبًا إلّا كحبّة خردل، ليست أكبر من رأس الدّبوس؛ لكنّها تخفي في داخلها قوّة نموّ ديناميكيّة وإمكانيّات لامحدودة.


لا تأسف من واقع أنّه ليس لديك إمكانيّات شجرة أرز على قمّة جبل؛ لا تشعر بالمرارة لأنّك لست إلاّ شُجيرة صغيرة في قعر الوادي.


هل تعتقد أنّ الله يُفضّل شجرة الأرز على وردة صغيرة تختفي بين الأوراق؟ وبدلاً من أن تعيش الأسى والخيبة، كُن أفضل شُجيرة مختبئة في قعر الوادي.


يقول القدّيس بولس (2 قور 5: 6-10) "إنّنا نطمح، سواءً قمنا في هذا الجسد أم هجرناه،  أن ننال رضى الربّ".


لذا لا تقلق كثيرًا من أجل معرفة متى سيُعطي البِذار ثماره، ومتى سيكون أوان الحصاد. فذلك ليس بعد أربعة أشهر. إرفع عينيك وسترى الحقول وقد ابيضّت للحصاد (يو 4: 35). وبدلاً من أن تدَع الضغوطات والإحباطات تشلُّ حركتكَ، أقطُف ثمر كلّ يوم. "أزهِر حيث تزرع!". ولتكن لديك الثّقة بحضور الله الخفيّ وملكوته. إعمَل، هنا واليوم، بكلّ الامكانيّات الّتي لديك.


هناك بذرة عالم أفضل تنمو، نهارًا وليلاً، إن كنتَ ساهرًا أو نائمًا. إنّها تنمو في الاحترام الّذي تُبديه للآخرين، في إخلاصكَ لعملكَ، في الحبّ الذي تُحبّ به عائلتكَ وبلادكَ.


وهنا سأسمح لنفسي أن أختم وأعود إلى قلب يسوع الأقدس؛ للنظر، جوابًا على مخاوفنا، إلى رسالة هذا "الّذي طعنوه" (يو 19: 37). إنّ حبّة الحنطة الّتي وقعت في الأرض لتحمل ثمرًا كثيرًا، تقول لنا، مِن أعلى الصَّليب: "تعالوا إليّ جميعًا أيّها المُرهقون المٌثقلون، وأنا أُريحكم" (متى 11: 28).


إنّ السّبيل الوحيد من أجل أن ينمو ملكوت الله ولكي تُرفَع الشّجرة الوضيعة وتأتي الطّيور من كلّ لون،  ميسحيّون ومسلمون، فقراء وأغنياء،  لتجد الأمان تحت ظلّها، هو أن نعيش، بالرّغم من كلّ العنف والدّمار، بقلب مفتوح ويدين مفتوحتين.


لا يمكن إلّا لقوّة الحبّ أن تجعل أُمّةً تنتصب واقفةً، رفعُ الشّجرة الوضيعة، ومنح الظلّ للمهمومين والمُحبطين.


إذا عشنا "بوداعة وتواضع القلب"، سوف لن يأتي الملكوت يومًا ما وحسب، بل سيكون هنا.



الأب هانس بوتمان اليسوعي.