"إنَّ الرَّبَّ لا يتعب من دعوة كلّ فرد منّا لكي يغيِّر حياته ويقوم بخطوة نحوه لكي نرتدَّ ويقوم بذلك بعذوبة الأب وثقته: هكذا أيضًا ينبغي على المُعرِّف أن يكون" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح يوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وقال إنَّ زمن الصَّوم هو زمن يساعدنا على الارتداد والاقتراب مجدّدًا من الله، وعلى تغيير حياتنا وهذه نعمة ينبغي علينا أن نطلبها من الرَّبّ.
استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من سفر النبيّ أشعيا (1/ 16 -20) والتي نقرأ فيها قول الرَّبّ "اغتسلوا وتطهَّروا، وأزيلوا شرَّ أفعالكم من أمام عيني. وكفوا عن الإساءة. تَعَلَّموا الإِحسان، وَالتَمِسوا الإِنصاف. أَغيثوا المَظلوم، وَأَنصِفوا اليَتيم، وَحاموا عَنِ الأَرمَلَة" وقال إنّها دعوة حقيقيّة إلى الإرتداد وأشار البابا في هذا السياق إلى موقف يسوع المميّز إزاء خطايانا وقال هو لا يهدِّدنا بل يدعونا بعذوبة ويمنحنا ثقته ويقول لنا "تَعالَوا نَتَحاجَج".
نعم، إن الرّبّ يقول: "تعال، تعالوا ولنتحاور قليلاً" هو لا يخيفنا. يتصرّف معنا كما يتصرّف الأب مع ابنه المراهق الذي قام بهفوة صبيانيّة وعليه أن يوبِّخه، هو يعرف أنّه إن أتاه بالعصا فالأمور لن تأخذ مجرى جيّدًا وبالتالي يذهب إليه بالثقة. وهكذا أيضًا يأتينا الرّبّ: "تعالوا لنتحاور ونتناقش. لا تخافوا لن أضربكم" وبما أنّه يعرف أنّ الإبن قد يفكِّر:"ولكنّني قد قمت بأشياء..." يقول له فورًا: "إنَّهُ ولَو كانَت خَطاياكم كالقِرمِزِ تَبيَضُّ كالثَّلج ولو كانَت حَمراءَ كَصَبغ الدّود تَصيرُ كالصُّوف".
كما يتصرّف الأب مع ابنه المراهق هكذا يتصرّف معنا يسوع، وبتصرُّف ثقة يقرّبنا إلى المغفرة ويغيّر قلوبنا. هكذا تصرّف مع زكّا ومتى وهكذا يتصرّف في حياتنا ويرينا كيف يمكننا أن نقوم بخطوة إلى الأمام في مسيرة الإرتداد.
لنشكر الرَّبّ على صلاحه. هو لا يريد أن يقاصصنا أو أن يحكم علينا. لقد بذل حياته في سبيلنا وهذا هو صلاحه، وهو يسعى على الدّوام لكي يصل إلى قلوبنا. وعندما نكون نحن الكهنة مكان الرَّبّ، علينا أن نشعر بارتداد الأشخاص وأن نتحلّى بموقف الصَّلاح على مثال الرَّبِّ القائل: "تعالوا لنتحاور ما من مشكلة، هنا تجدون المغفرة ولا التهديد".
تابع البابا فرنسيس في هذا السياق متحدّثًا عن خبرة كاردينال معرِّف لم يكن يتوقف إزاء الخطايا التي كان التائب يعتبرها "كبيرة" بل كان يتابع الحوار معه، وهذا الأمر يفتح القلب ويجعل التائب يشعر بسلام؛ وهذا ما يفعله الرّبّ معنا، يقول لنا: "تعال لنتحاور ونتحادث، وخذ بعدها إيصال المغفرة".
يساعدني أن أرى موقف الرّبّ هذا: الأب مع الابن الذي يعتقد أنه صار كبيرًا وأنّه نما فيما لا يزال في منتصف المسيرة. إنَّ الرَّبَّ يعرف أنّنا جميعًا في منتصف المسيرة وأنّنا غالبًا ما نحتاج لأنّ نسمع هذه الكلمات: "تعال لا تخف، تعال، هنا تجد المغفرة". هذا الأمر يشجّعنا. لنذهب إذًا إلى الرّبّ بقلب مفتوح لأنّ الآب ينتظرنا!
إذاعة الفاتيكان.