"لا يجب أن نخاف من قول الحقيقة حول حياتنا وأن نتيقّن لخطايانا ونعترف بها للرب كي يغفر لنا" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان والتي تمحورت حول إنجيل القديس لوقا (9/ 7- 9) والذي يخبرنا عن ردّة فعل هيرودس إزاء بشارة المسيح، إذ كان بَعض النّاسِ يَقولون: "إِنَّ يوحَنّا قامَ مِن بَينِ الأَموات"، وَبَعضَهُم: "إِنَّ إيلِيّا ظَهَر"، وَغَيرَهُم: "إِنَّ نَبِيًّا مِنَ الأَنبِياءِ الأَوَّلينَ قام"، وإذ سمع هيرودس بكل ما كان يجري فحار في الأمر.
لم يكن يعرف ماذا يفكّر ولكنّه كان يشعر بشيء في داخله ولم يكن الشعور بالحشريّة وإنما كان الشعور بالندم وتأنيب الضمير ولذلك كان يُحاوِلُ أَن يَرى يسوع ليهدأ. لقد أراد أن يرى الآيات التي كان يسوع يقوم بها ولكن بما أنّ يسوع لم يقم بأيّة آية أمامه أسلمه إلى بيلاطس ودفع يسوع الثمن بموته. وبهذه الطريقة غطّى هيرودس جريمته بجريمة أخرى ولذلك كان يعيش في تأنيب الضمير بسبب هذه الجريمة، وبالتالي فتأنيب الضمير إذًا ليس مجرّد تذكّر بسيط لما حدث بل هو جرح.
إنّه جرح يبقى فينا بعد أن نكون قد ارتكبنا الشرور أو أذينا أحدًا. ولكنّه جرح خفي لا يمكن رؤيته، حتى الشخص عينه لا يمكنه رؤيته لأنّه قد اعتاد على حمله وبالتالي فقد أصبح نوعًا من التخدير. ولكن هناك أحيانًا من يلمس هذا الجرح فينا وعندها يؤلمنا ونشعر بالندم وتأنيب الضمير، فلا ندرك فقط أننا قمنا بعمل شرير ومؤذٍ بل نشعر به أيضًا: نشعر به في قلبنا ونفسنا وجسدنا حتى في حياتنا وبالتالي نسعى عندها لإخفائه لكي لا نشعر به بعد الآن.
إنها بالتالي نعمة أن نشعر بتبكيت الضمير ولوم النفس، إذ ما من أحد منّا قد نال إكليل القداسة ونعيش تجربة النظر والإشارة إلى خطايا الآخرين ونواقصهم ولا لخطايانا ونواقصنا التي غالبًا ما نحاول إخفاءها بالرثاء للذين يتألّمون بسبب الحرب أو بسبب الذين يموتون ضحايا بعض الطغاة.
ولكن، يجب علينا – أعذروني على التعبير – أن نعمِّد جرحنا بمعنى آخر أن نسمّيه ونعرف أين يكمن في داخلنا. قد يسألني أحدكم: "ولكن يا أبتي كيف يمكنني أن أكشف هذا الجرح؟"، أولاً من خلال الصلاة، إرفع صلاتك إلى الرب قائلاً: "إرحمني يا رب أنا الخاطئ" وسيسمع الرب صلاتك. بعدها تفحّص حياتك. قد تسألني "وإن كنتُ لا أرى كيف وأين هو هذا الألم ومن أين يأتي ولا أرى بوادره فماذا أفعل؟" أُطلب مساعدة شخص آخر لكي يساعدك على إخراج ذلك الجرح ثمَّ أعطه اسمًا أي اعترف بشكل ملموس قائلاً: "ضميري يؤنّبني بسبب كذا وكذا..." هذا هو التواضع الحقيقي أمام الله والله يتأثَّر أمام هذا الصدق.
وهذا الصدق يعبّر عنه الأطفال في الاعتراف. إنّه صدق قول ما فعلناه لتظهر الحقيقة فنُشفى. وبالتالي علينا أن نتعلّم حكمة إدانة أنفسنا. عندما أدين نفسي أشعر بألم الجرح فأقوم بكل ما بوسعي لأعرف سبب هذه العوارض وأُشفى؛ لذلك لا يجب علينا أن نخاف من تأنيب الضمير لأنه علامة للخلاص، وإنما يجب أن نخاف من إخفاء الجراح وتجميلها؛ لأنّه عندما نكون واضحين وصادقين يأتي الرب ويشفينا.
وختم البابا فرنسيس عظته رافعًا الصلاة إلى الرّبّ لكي يمنحنا نعمة الشجاعة لإتهام أنفسنا كي نسير على درب التوبة.
إذاعة الفاتيكان.