أعرب أصحاب القداسة والغبطة والسماحة والسيادة والفضيلة عن شعورهم بالصدمة بسبب إعلان الرئيس الأميركيّ السيّد دونالد ترامب قراره الجائر باعتبار القدس التي هي عاصمة للدولة الفلسطينيّة عاصمة للاحتلال الاسرائيليّ ونقل مقرّ سفارة بلاده إليها.
ونظراً لخطورة القرار وتداعياته، تنادوا لعقد قمّة روحيّة مسيحيّة - إسلاميّة لإعلان موقفهم الموحّد من هذه القضيّة التي تهمّهم جميعًا، وأصدروا البيان التالي:
أولاً : إنّ القدس التي تزخر بمواقع تاريخيّة مقدّسة لدى الديانات التوحيديّة ككنيسة القيامة والمسجد الأقصى، ليست مجرّد مدينة عادية كغيرها من مدن العالم. أنّ لها موقعًا مميّزًا في ضمائر مؤمني هذه الديانات. وبالتالي فإنّ قرار الرئيس الأميركيّ المبني على حسابات سياسيّة خاصّة، يشكّل تحدّيًا واستفزازًا لأكثر من ثلاثة مليارات من البشر، ويمسّ عمق إيمانهم.
ثانياً : إدراكاً من المجتمع الدوليّ لهذه الحقيقة واحترامًا لها، فقد التزمت دول العالم كلّها بقرارات الأمم المتّحدة التي تعتبر القدس وسائر الضفة الغربيّة أرضًا محتلّة. وإعرابًا عن هذا الإلتزام القانونيّ والأخلاقيّ فقد امتنعت هذه الدّول عن إقامة سفارات لها في القدس المحتلة. وشاركت الولايات المتّحدة المجتمع الدوليّ بهذا الالتزام إلى أن خرقه الرّئيس السيّد ترامب بالقرار المشؤوم الذي أعلنه يوم السادس من كانون الأول 2017.
ثالثاً : إنّ أصحاب القداسة والغبطة والسماحة يرفضون هذا القرار ويطالبون بالرّجوع عنه ويعتبرون أنّه، فضلًا عن مخالفته القوانين والمواثيق الدولية، فإنه يسيئ الى ما ترمز اليه مدينة القدس كمدينة روحيّة جامعة يذكر فيها اسم الله عالياً في أماكنها المقدسة، وهي تشكّل بذلك موقع التقاء للرسالات التوحيديّة كافة.
رابعاً : إنّ تغيير هذه الصورة النبيلة للقدس، وتشويه رسالتها الروحيّة من خلال هذا القرار والتعامل معه كأمر واقع، يسيئ الى المؤمنين، ويشكّل تحدياً لمشاعرهم الدينية وحقوقهم الوطنيّة، ويعمّق جراحاتهم التي تنزف حزنًا ودماً بدلاً من العمل على معالجتها بالعدل والحكمة، تحقيقـًا لسلام يستجيب لحقوق الأطراف جميعًا، وخاصّة الشعب الفلسطيني المشرّد منذ أكثر من سبعة عقود.
خامساً: يتوجّه المجتمعون بالتقدير الكبير للشّعب الفلسطيني وخاصّة أهل القدس لصمودهم وتصدّيهم ومقاومتهم الاحتلال ومحاولات تغيير الهوية الدينيّة والوطنيّة لمدينة القدس.
سادسًا : من أجل ذلك يناشد أصحاب القداسة والغبطة والسماحة المرجعيّات السياسيّة العربيّة والدوليّة للعمل معًا بغية الضغط على الإدارة الأميركيّة للتراجع عن هذا القرار الذي يفتقد الى الحكمة التي يحتاج إليها صانعو السّلام الحقيقيّون.
كما يناشدون الرأي العام الأميركيّ بمنظماته الأهليّة والدينيّة أن يرفع الصّوت عاليًا لتنبيه الرئيس ترامب وإدارته إلى مخاطر القرار الجائر الذي يزجّ الشرق الأوسط في دورة جديدة من دورات العنف التي عانى منها كثيرًا.
سابعًا: يعرب المجتمعون عن قلقهم الشّديد من أن يؤدّي التفرّد الأميركيّ بالانقلاب على قرار هامّ من قرارات الشرعيّة الدوليّة التي تتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة، إلى الانقلاب على قرارات أخرى بما في ذلك القرار الذي يتعلّق باللاجئين الفلسطينيّين لمحاولة فرض تقرير مصيرهم خارج إطار العودة الى بلادهم المحتلّة، وهو أمر يشكّل اعتداء على أمن وسلامة ووحدة لبنان الذي يستضيف حوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني منذ عام 1948، والذي أكّد في ميثاقه الوطنيّ وفي دستوره على رفض التوطين شكلًا ومضمونًا.
ثامنًا: إنّ المجتمعين إذ يؤكّدون تمسكّهم بصيغة العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيّين مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، وعلى تمسكهم بالمبادئ الوطنيّة التي أقرّها الدّستور اللبنانيّ ووثيقة الوفاق الوطنيّ، يعربون عن دعمهم الموقف اللبناني الرسميّ الرّافض لقرار الرئيس الاميركيّ الجائر، كما يعربون عن تأييدهم للمشروع الذي طرحه رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة أمام الأمم المتحدة باعتبار لبنان مركزًا دوليًا للحوار بين أهل الأديان والثقافات المختلفة. وذلك تكاملاً مع صيغة عيشه المشترك ورسالته باحترام التعدّد الدّيني والثقافيّ.
خاتمة: بمناسبة عيد الميلاد المجيد، بادر أصحاب السماحة والفضيلة إلى تقديم التهاني لأصحاب القداسة والغبطة والسيادة وتوجّهوا معًا إلى أهلهم وأحبّائهم في لبنان وفي العالم العربيّ والعالم، وبخاصّة الى الصامدين في القدس المحتلّة، داعين الله أن يجعل من هذا العيد المبارك بداية لمرحلة جديدة من العمل المشترك من أجل توطيد أواصر الأخوّة والمحبّة والسّلام بين جميع الناس.
موقع بكركي.