في اليوم السّابع من شهر تشرين الثاني 2018، عقد أصحاب السّيادة المطارنة الموارنة اجتماعهم الشّهري في الكرسيّ البطريركيّ في بكركي، برئاسة صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي الكلّي الطّوبى، ومشاركة الآباء العامّين للرهبانيّات المارونيّة. وتدارسوا شؤونًا كنسيّة ووطنيّة. وفي ختام الاجتماع أصدروا البيان التالي:
1- أطلع صاحب الغبطة الآباء على نتائج المؤتمر الخامس لمطارنة أبرشيّات الإنتشار والرؤساء العامّين للرهبانيّات المارونيّة الذي استضافه سيادة المطران بول-مروان تابت راعي أبرشيّة كندا، وعلى نتائج زيارته الرعائيّة لعشر رعايا فيها، وما رافقها من لقاءات كنسيّة ومدنيّة في الأيّام العشرة الأخيرة من شهر أيلول.
ثمّ أطلعهم على أعمال سينودس الأساقفة الخاصّ الذي عُقد في روما حول موضوع "الشّبيبة وإيمانهم وتمييز دعوتهم في الكنيسة والمجتمع"، وما صدر عنه من توصيات. فشكروا الله مع غبطته على كلّ ذلك، وهم يتطلّعون إلى تثمير تلك النتائج والتوصيات.
2- فيما كان الشّعب اللّبناني، الرازح تحت عبء الأزمة الإقتصاديّة والإجتماعيّة والمعيشيّة، ينتظر بعد خمسة أشهر إعلان الحكومة الجديدة بين ساعة وأخرى، وكان قد توصّل الرئيس المكلّف وفخامة رئيس الجمهوريّة إلى صيغة تشكيلها، وحُلَّت جميع العقد لدى مختلف الكتل النيابيّة، إذا به يُصاب بخيبة أمل بسبب العقدة الطارئة التي أوقفت كلّ شيء. يأسف الآباء لهذا النوع من التعاطي مع المؤسّسة الدستوريّة المناط بها سير الدولة بوازاراتها وإداراتها العامّة، من أجل تأمين النموّ الإقتصادي وخير المواطنين والصّالح العام. فيدعو الآباء إلى إزالة العراقيل الطارئة من أمام إعلان الحكومة الجديدة، بروح المسؤوليّة والضّمير الوطنيّ والأخلاقيّ، فتكون هديّة عيد الإستقلال الذي يفصلنا عنه أسبوعان، فلا يأتي حزينًا ومخيّبًا.
3- يأسف الآباء لهبوط التداول السّياسي إلى حد تصنيف الحقائب الوزاريّة بين وازنةٍ وسياديّة وخدماتيّة وما شابه، فيما المطلوب فريق عملٍ حكوميّ مُتجانِس، عماد أعضائه الأخلاق والاختصاص والأهليّة والخبرة، يتحلّقون حول برنامجٍ إصلاحيّ واقعيّ وعمليّ، ويُشارِكون بمساواةٍ في تنفيذه. فلا يتفرّد كلّ وزير بوزارته وكأنّه سيّدها المطلق. ولا يُطلق العنان للنافذين السّياسيّين والمذهبيّين لتعطيل القانون والعدالة، فيطبَّقان على شخصٍ دون آخر، وعلى فئةٍ دون أخرى. ولا يُفسح في المجال أمام أصحاب أيّة سلطة مدنيّة أو أمنيّة الإفراط بها واستغلالها لمآرب خاصّة.
4- إلى أن يُفَكَّ أسر الحكومة الجديدة من قيود الخارج والداخل معًا، يُطالِب الآباء بتفعيل عمل حكومة تصريف الأعمال، حتى تنتظمَ إلى حدٍّ ما شؤون الدولة والمواطنين، ولا سيّما المعضلات الحياتية كالكهرباء والتلوّث وشؤون البيئة وغيرها. فتصريف الأعمال لا يعني عدم السّهر على تنفيذ المشاريع الجارية، ولا إغفال الرقابة الإداريّة والمالية على الوزارات والإدارات وحسن سير العمل، ولا الإحجام عن المشاركة في أعمال اللجان النيابية. وهكذا قد يستردّ العمل العام بعضًا من احترامه في أعين اللبنانيِّين والعواصم الصديقة والمنظمَّات الدوليَّة.
5- يُراقِب الآباء بكثيرٍ من الأسى والقلق، تصاعد لغة النّزاع والعنف في الخطاب السّياسي والصّحافي والإعلامي، كما في وسائل التواصل الاجتماعيّ. ولكأنّ القتال والتقاتل الداخليَّين لم يتوقّفا بعد، منذ حصل التوافق عام 1989 على وضعِ حدٍّ نهائيّ لهما. فالتراشق الكلامي من وراء المتاريس الإعلاميّة، لا يقلّ خطورة عن تبادل إطلاق النار، وهو مجدّدًا مدخلٌ إليه يرفضه اللّبنانيون. لذا يدعو الآباء بإلحاحٍ جميع المعنيّين إلى أن يتّقوا الله ويتَّجِهوا إلى احترام بعضهم بعضًا، وإلى اعتماد الحوار البنّاء في ما بينهم، ولا سيّما أنّ الانهيارات الداخليّة متواصلة على أكثر من صعيد، والتطورات الإقليميّة السلبيّة تُهدِّد بمزيدٍ من الانعكاسات على حريّة القرار اللبناني ومصالح لبنان واللبنانيِّين.
6- إحتفلت كنيستنا المارونيّة في بداية هذا الشّهر بافتتاح السنة الطقسيَّة الجديدة وبعيد جميع القدِّيسين وتذكار الموتى. إنّ الآباء يغتنمون هذه المناسبة الجليلة ليذكّروا المؤمنين بالدّعوة الشّاملة إلى القداسة، وبواجب الصّلاة لراحة أنفس مَنْ تقدّمونا إلى بيت الآب السّماوي، ومنهم الأجداد والآباء الذين نقلوا إلينا الإيمان، والشّهداء الذين سفكوا دماءهم من أجل المسيح وإنجيل الأخوّة والمحبّة والسّلام ومن أجل الوطن. نرجو أن يكون هذا العيد والتذكار حافزًا لنا جميعًا لمزيدٍ من الاهتداء على الطريق التي شقّها لنا المعلِّم الإلهي، وتسير عليها كنيستنا المارونيّة وكنائس المشرق والكنيسة الجامعة.
موقع بكركي.