اليوم العالمي الخامس والعشرين للمريض

متفرقات

اليوم العالمي الخامس والعشرين للمريض

 

 

 

 

ترأس أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين القداس الإلهي صباح اليوم السبت في بازيليك القديس بيوس العاشر في مزار العذراء سيّدة لورد في فرنسا بمناسبة اليوم العالمي الخامس والعشرين للمريض وللمناسبة ألقى الكاردينال بييترو بارولين عظة قال فيه:

 

ا بفرح ونعمة اللالتزام المتجدّد تحتفل الكنيسة اليوم باليوم العالمي الخامس والعشرين للمريض. يوم أسسه القديس يوحنا بولس الثاني عام 1992 واحتُفِل به هنا لأول مرّة في الحادي عشر من شباط عام 1993. وبالتالي يشكّل الاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين لهذا اليوم العالمي في لورد نعمة كبيرة إذ نتذكّر العديد من المرضى الذين يحجّون إلى مغارة "Massabielle" ليرفعوا التسبيح إلى تلك التي تطوّبها جميع الأجيال.

 

 

يشكل الاحتفال باليوم العالمي للمريض في لورد أيضًا شكرًا للرب على جميع الأشخاص الذين يزورون هذا المكان المبارك بحثًا عن الراحة والرجاء. إن الاحتفال باليوم العالمي للمريض في لورد يعني أن نوجّه أفكارنا نحو الذين يختبرون حنان الله من خلال أعمال الرحمة الجسديّة والروحيّة. وكما يشدّد البابا فرنسيس في رسالته لهذه المناسبة: "يشكّل هذا اليوم مناسبة اهتمام خاصّ لوضع المرضى وبشكل عام لجميع المتألّمين" وهذه مناسبة – يتابع الأب الأقدس قائلاً – "لأجدّد قربي بالصلاة والتشجيع من الأطبّاء والممرّضين والمتطوّعين وجميع المكرسين والمكرّسات الملتزمين في خدمة المرضى والمعوزين؛ من المؤسسات الكنسيّة والمدنيّة التي تعمل في هذا المجال ومن العائلات التي تعتني بمحبّة بمرضاها.

 

أتمنى للجميع أن يكونوا على الدوام علامات فرحة لحضور الله ومحبّته متشبّهين بالشهادة المنيرة للعديد من أصدقاء الله وصديقاته أذكر من بينهم القديس يوحنا لله (Giovanni di Dio) والقديس كاميلو دي ليلّيس شفعاء المستشفيات والعاملين الصحيين والقديسة الأم تريزا دي كالكوتا رسولة حنان الله". ويدعونا البابا أيضًا للتحلّي بالدهشة إزاء ما يحققه الله في حياتنا مردّدين مع العذراء مريم: "القَدير صَنَعَ إِليَّ أُموراً عَظيمة".  

 

 

تساعدنا في هذا كلّه كلمة الله التي سمعناها، إنها كلمة تدعونا لنوسّع قلوبنا من خلال التغلُّب، في صراعاتنا الشخصيّة، على العديد من المخاوف التي يولّدها في كل فرد منا زمن المرض وزمن الألم وفكرة الموت.

 

إن الله لا يطلب منا أن نكون "أبطالاً خارقين"، ولا يطلب منا أن ننكر الصعوبات التي نعيشها فيما نحاول إخفاءها خلف قناعِ من يتخطّى كل ما بإمكانه أن يذلّه أو يحدّه. لا! إن الله يطلب منا فقط أن نثق به ويدعونا لكي لا نخاف لأنه يأتي وهو قريب ولأنّه لا ينسانا لأننا قيّمين في عينيه ولأنّه يريد أن يشاركنا حياته. "لا تخف أنا معك" و"لا تخافوا أنا معكم" إزاء هذه المسؤوليّة التي يتّخذها الله، من خلال ابنه يسوع، تجاه كل فرد منا ينبغي علينا كمؤمنين أن نجيبه: "ها نحن معك أيضًا".

 

 

إن هذا الحوار يمنع الخوف من أن يجد لنفسه أرضًا خصبة في ضعفنا. لا بل يمنع هذا الحوار ضعفنا من أن يُصبح عائقًا أساسيًّا في العلاقة مع الله ومع الآخرين. هذا هو الحوار الذي تدعونا العذراء البريئة من دنس الخطيئة الأصليّة، هنا والآن، لنقبله ونبحث عنه ونبنيه لأنّها اختبرته بنفسها واعترفت به وجعلته أساسًا لدعوتها في الكنيسة والعالم: "لا تخافي يا مَريَم، فقد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله. أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَولِكَ". يمكننا أن نعترض أن الـ "هاءنذا" التي قالتها العذراء لم تكن خلال المرض أو الألم أو الضعف أو الموت، لقد كانت هذه الخبرات كلها غائبة عند لحظة البشارة. لكن الأمر ليس هكذا في الواقع لأن لوقا يظهر لنا بوضوح أن حوار الـ "هاءنذا" بين الله ومريم يكتمل وسط خبرات مأساويّة متعدّدة. 

   

 

الخبرة الأولى تتعلّق بالعائلة التي ستنتمي إليها بعد الزواج: إنها العائلة الملكيّة، عائلة داود. في الكتاب المقدّس ولاسيما في أسفار الأنبياء هذه هي العائلة التي قادت إسرائيل إلى الانقسام والدمار لأنها فضّلت الأصنام على الإله الحقيقي. إنها العائلة التي لم يعُد يتردّد فيها صدى الـ "هاءنذا" التي قادت حياة الملك داود. بدخولها في عائلة داود عاشت خطيبة يوسف لحظة تجرّد عميقة: لقد دُعيَت لتترك كلِّ شيء وتختبر الفقر والإقصاء اللذين يحفظهما التاريخ للذين أضلّوا الطريق وفي الوقت عينه فقدوا تقدير الجماعة واحترامها ومحبّتها. أليست هذه أيضًا، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، الخبرة التي نعيشها في المرض والألم والضعف والموت؟

 

 

بعدها يذكّرنا الإنجيلي لوقا بأن دخول مريم في عائلة داود لم يقدها إلى أورشليم، قلب حياة وإيمان شعب إسرائيل، وإنما إلى إحدى مدن ضواحيها وتُدعى "جليل الأمم" أرض مرادف للموت والبُعد، بعيدًا عن كل ما يمنح الهويّة والضمانات وحتى عن الهيكل القلب النابض لخبرة شعب إسرائيل الدينيّة. هذا الابتعاد يعلّمنا الكثير أيضًا حول مرحلة المرض والألم والضعف والموت.

 

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إن كانت الأم البريئة من الخطيئة الأصليّة تدعونا اليوم هنا والآن لنقبل ونبني حوار الـ "هاءنذا"، الحوار الذي يجعلنا مؤمنين، فهي لا تقوم بذلك كمن نال حظوة ما وإنما كفقيرة بين الفقراء تعرف جيدًا كل ما يُعاش ويُختبر في زمن المرض والألم والضعف والموت لأنها عاشته واختبرته بنفسها.

 

وبالتالي،

يصبح حقيقة لبسنا للنور والمجد، كما يُعلن النبي أشعيا، عندما وبحسب القديس بولس الرسول "نلبس المسيح"، لأنّه النور الأبديّ الذي ينير جميع البشر الذين يعيشون في هذا العالم. إنه الابن الحبيب الذي أظهر الآب فيه مجده، وهو قدوس الله الذي يفتح باب الفرح والمحبة، باب الوليمة الأبديّة للجميع بدون تمييز في اللغة أو في الشعب أو في الثقافة.

 

نلبس المسيح عندما نواجه معه زمن المرض والألم والضعف والموت كأحياء مثله عند ساعة الصليب. يقول لنا المسيح أن الـ "هاءنذا" التي يقولها الله تجعلنا أحياء وبالتالي ليست مصادفة أن يحملنا إنجيل عرس قانا، الذي سمعناه، عند أقدام الصليب. هذا هو العبور الذي أراده المسيح عندما تحدث عن ساعته في حواره مع أمّه.

 

إنّه عبور يطلبه المسيح منا أيضًا، إذ يمكن لفرح العرس أن يتحوّل فجأة إلى ألم وفقر، وبالتالي ويصبح "الآن" الذي نعيشه كـ "حالة طبيعيّة" حالة مرض أو ألم أو ضعف أو موت. لذلك يدعونا المسيح كي ننتقل من "الآن" إلى "ساعته". لا يطلب منا أن نغيّر الزمن وإنما يطلب منا أن نعيش هذه المرحلة في ضوء "ساعته" وأن ندخلها في هذه المرحلة لأنّه يرغب في أن يشاركنا بما جعل ساعته خبرة حياة لا موت: أي الـ "هاءنذا" التي قالها لله. 

 

 

لقد حذّرنا القديس يوحنا الرسول في القراءة الثانية من أن الذي يموت لا يمكنه أن يرى السماء الجديدة والأرض الجديدة، وإنما وحده الحي يمكنه أن يراهما. لنختر إذًا بأن نكون أحياء، ولتردّد كل مرحلة من حياتنا صدى إعلان الله: "لا تخف أنا معك" و"لا تخافوا أنا معكم"، ولتردّد كل مرحلة من حياتنا أيضًا صدى الـ "هاءنذا" التي قلناها بالاتحاد مع الـ "هاءنذا" التي قالها المسيح والتي قالتها الأم البريئة من الخطيئة الأصليّة: "أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَولِكَ".

 

 

 

إذاعة الفاتيكان