الوصيّة الكبرى

متفرقات

الوصيّة الكبرى

 

 

 

 

 

 

 

أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!

 

نعرف خير المعرفة أن الوصيّة الأعظم التي تركها لنا الرّب يسوع هي أن نحبّ: نحبّ الله بكلّ قلبنا، وكلّ نفسنا وكلّ ذهننا، ونحبّ القريب حبَّنا لنفسنا ( متى 22، 37- 39)، أي إنّنا مدعوّون إلى المحبّة. وهذه هي دعوتنا الأسمى، دعوتنا بامتياز؛ وبها يرتبط فرح الرّجاء المسيحي. مَن يحبّ، لديه فرح الرجاء، فرح التوصّل إلى لقاء المحبّة العظمى التي هي الربّ نفسه.

 

أما بولس الرّسول، في المقطع الذي سمعناه للتوّ من الرسالة إلى أهل روما(12/ 9-13)، فيحذّرنا: قد لا تخلو محبّتنا من الرياء. فعلينا بالتالي أن نسأل أنفسنا: متى يكون هذا الرياء؟ وكيف يمكننا أن نتأكّد بأن محبّتنا صادقة وأصيلة؟ بأننا لا نتظاهر بالمحبّة أو أن حبّنا يشبه المسلسلات المتلفزة: بل حبًّا صادقًا، قويًّا ....

 

فالرياء قادر على التغلغل في كلّ شيء، حتى في طريقة عيشنا للمحبّة. ويحدث هذا عندما لا تخلو محبّتنا من المصلحة، عندما تدفعها المصالح الشخصيّة؛ وكم من المحبّة تقوم على المصلحة... عندما نقوم بالأعمال الخيريّة -التي يبدو أنّنا نجود بها- كي نُظهر أنفسنا أو كي نسترضي أنفسنا: "كم إني جيّد"! كلّا، هذا رياء!؛ أو حين نسعى لأمور "مرئيّة" كي نُبيّن ذكاءَنا أو قدراتنا.

 

وراء كلّ هذا، هناك فكرة خاطئة، مضلّلة: أي أنّنا، إن كنّا نحبّ، فلأنّنا صالحون؛ كما لو أن المحبّة كانت من إبداع الإنسان، أو من صنع قلبنا. المحبّة هي قبل كلّ شيء نعمة، هي عطيّة؛ أن تكون لنا القدرة على المحبّة هي عطيّة من الله، وعلينا أن نطلبها منه. وهو يهبها عن طيب خاطر إن طلبناها. المحبّة هي نعمة: ولا تقضي بإظهار ما نحن عليه، إنما ما يعطينا إياه الرّب ونقبله بحرّية؛ ولا تقدر أن تعبّر عن ذاتها باللقاء مع الآخرين إن لم تكن أوّلًا نتيجة اللقاء بوجه يسوع الوديع والرحيم.

 

يدعونا بولس أيضًا إلى الاعتراف بأنّنا خطأة، وبأن طريقتنا في المحبّة موصومة بالخطيئة. ولكنّه في الوقت عينه يحمل بشارة جديدة، بشارة رجاء: الرّب يفتح أمامنا درب الحرّية، درب الخلاص. وهي أنّنا نقدر أن نحيا وصيّة المحبّة العظمى نحن أيضًا، وأن نصبح أداة لمحبّة الله.

 

وهذا يحدث عندما نسمح للمسيح القائم من الموت بأن يشفينا وأن يجدّد قلبنا. المسيح القائم من الموت الذي يحيا وسطنا، قادرٌ على شفاء قلبنا: ويشفيه إن سألناه. فهو الذي يسمح لنا، حتى في صغرنا وفقرنا، باختبار تضامن الآب وبالاحتفال بعجائب محبّته. ونفهم حينئذ أن كلّ ما نستطيع أن نقوم به من أجل الإخوة ليس إلّا إجابة على ما قد صنعه الله معنا وما زال يصنع. لا بل إنّ الله نفسه، وقد اتّخذ من قلبنا وحياتنا مسكنًا له، هو الذي لا يزال يتقرّب ويخدم جميع الذين نلتقي بهم يوميّا في طريقنا، انطلاقًا من المهمشين والأكثر حاجة؛ فهو يرى ذاته فيهم أوّلًا.

 

لا يريد بولس الرسول بالتالي أن يلومنا بهذه الكلمات، بل بالأحرى أن يشجّعنا وينعش فينا الرجاء من جديد. فإنّنا جميعًا في الواقع نختبر عدم عيشنا لوصيّة المحبّة بالكامل أو كما يجب. ولكن هذه أيضًا هي نعمة، لأنّها تجعلنا نفهم أنّنا لا نستطيع أن نحبّ حقّا من تلقاء أنفسنا: إنّنا بحاجة إلى أن يجدّد الرّب باستمرار هذه العطيّة في قلبنا، من خلال اختبار رحمته اللامتناهية.

 

وعندئذ، أجل، نعود فنقدّر الأمور الصغيرة، والأمور البسيطة والاعتياديّة؛ نعود فنقدّر كلّ هذه الأمور الصغيرة، الأمور اليوميّة، ونصبح قادرين على محبّة الآخرين كما يحبّهم الله، راغبين بخيرهم، أيّ أن يكونوا قدّيسين، أصدقاء الله؛ ونفرح بقدرتنا على التقرّب ممّن هو فقير ووديع، كما يصنع يسوع مع كلّ منّا حين نكون بعيدين عنه؛ ونفرح بانحنائنا على أقدام الإخوة، كما يصنع هو، السامريّ الصالح، مع كلّ منّا، بتضامنه ومغفرته.

 

 

أيّها الإخوة الأعزّاء، هذا الذي ذكّرنا به بولس الرسول هو سرّ كوننا –هنا أستخدم كلماته- هو سرّ كوننا "في الرَّجاءِ فَرِحين" (روم 12، 12): في الرجاء فرحين. فرحين في الرجاء، لأنّنا نعلم أن محبّة الله لن تنقص في أيّ ظرف من الظروف، حتى أكثرها معاكسة، وحتى من خلال فشلنا بالذات. بالتالي، وقد زارت نعمته وأمانته قلبنا وسكنتا فيه، لنعِش الرجاءَ الفَرِح حيث نتبادل مع الإخوة، ولو قليلًا، كلّ ما ننال من الله يوميًّا.  

 

أرحب بالحجاج الناطقين باللغة العربية، وخاصة القادمين ‏من سوريا، ومن لبنان، ومن الشرق الأوسط. إن ‏المحبة المعاشة برياء ‏هي أخطر من الكراهية. إنها أنانية متخفية، ترتدي قناع المحبة. المحبة الحقيقية، على ‏عكس ذلك، كما يعلمنا القديس ‏بولس،‏‏"تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ وَلاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ ‏السُّؤَ وَلاَ ‏تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ ‏شَيْءٍ" (1 كور 13، 4-‏‏7).

 

 

إنّ الزمن الليتورجي للصوم يعزّز تقاربنا من الله. لا تصوموا عن المأكولات إنما عن العادات السيئة بشكل خاص، أيها الشبيبة الأعزّاء، حتى تستطيعوا أن تسيطروا على أنفسكم بشكل أكبر.

 

أيها المرضى الأعزّاء لتكن الصلاة بالنسبة إليكم وسيلة لتشعروا بقرب الله منكم بالأخص في الألم.

 

 لتساعدكم ممارسة أعمال الرحمة أيها المتزوجين الجدد حتى تعيشوا زواجكم منفتحين على حاجات إخوتكم.

 

‏ليبارككم الرب ‏جميعا ويحرسكم من الشرير!‏‏‏ ‏‏ 

 

 

 

قداسة البابا فرنسيس

المقابلة العامة: الرجاء المسيحي

الأربعاء، 15 مارس / آذار 2017‏

 موقع الكرسي الرسولي.