"الرّاعي الصّالح هو الرّاعي الذي يتبع يسوع لا السّلطة أو المال وحتى إن تركه الجميع سيبقى الربّ بقربه" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الثلاثاء في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ في كابلّة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان.
استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من رسالة القدّيس بولس الثانية إلى تلميذه طيموتاوس (4/ 9 -17) ليتوقف في تأمّله الصباحيّ عند نهاية حياة الرّسل الذين، وعلى مثال القدّيس بولس في المرحلة الأخيرة من حياته، اختبروا الوحدة في الصعوبات: يُجرَّدون من كلِّ شيء ويصبحون ضحايا للإضطهادات العنيفة ويُتركون ويطلبون ما يحقّ لهم كمتسوّلين.
وحيد متسوِّل وضحيّة للاضطهادات العنيفة ومتروك؛ ولكنّه بولس العظيم، ذلك الذي سمع صوت الربّ ودعوته! ذلك الذي جاب العالم من جهّة إلى أخرى وتألّم واختبر محنًا كثيرة في سبيل البشارة بالإنجيل؛ ذلك الذي أفهم الرّسل أنّ الرّبّ يريد أيضًا أن ينضمّ الوثنيّون إلى الكنيسة؛ بولس العظيم الذي ارتفع بالصّلاة إلى أعلى الدرجات وسمع أمورًا لم يسمع بها أحد من قبل: بولس العظيم في غرفة في أحد بيوت روما ينتظر انتهاء الخلاف داخل الكنيسة بين قساوة المُهتدين من اليهود وتلاميذه الأوفياء له. وهكذا تنتهي حياة بولس في اليأس، لا بالندم والمرارة وإنّما باليأس الداخليّ.
هذا ما حصل أيضًا لبطرس وليوحنّا المعمدان الذي من وحدة سجنه الكئيب أرسل تلاميذه ليسألوا يسوع إن كان هو المسيح وانتهت حياته بقطع رأسه بسبب نزوة راقصة وانتقام زانية. هذا ما حصل أيضًا مع القدّيس مكسيمليانو كولبي الذي كان قد أسّس حركة رسوليّة كبيرة ومات في أحد المعتقلات النازيّة.
عندما يكون الرّسول أمينًا هو لا ينتظر إلّا النهاية التي نالها يسوع، والربّ لا يتركه أبدًا وهناك يجد قوّته وهكذا أيضًا مات بولس. هذه هي شريعة الإنجيل: على حبّة الحنطة أن تقع في الأرض وتموت كي تأتي بثمر كثير! لقد كان أحد لاهوتيي القرون الأولى يقول إنّ دم الشّهداء هو بذار مسيحيّين!
الموت كشهداء وشهود ليسوع هو كحبّة الحنطة التي تموت وتأتي بثمر كثير وتملأ الأرض بمسيحيِّين جدد. عندما يعيش الرّاعي هكذا بدون الشّعور بالندامة أو المرارة، قد يشعر باليأس أحيانًا ولكنّه يملك اليقين بأن الربّ بقربه على الدوام. وعندما يعيش الرّاعي حياته مهتمًّا بأمور أخرى غير المؤمنين الموكلين إليه – على سبيل المثال متعلّقًا بالسّلطة والمال وأمور أخرى – ربما لن يموت وحيدًا في النهاية وإنّما سيكون أحفاده حوله ينتظرون موته ليرثوا نصيبهم.
عندما أزور مأوى للكهنة المسنين أجد العديد منهم من أولئك الذين بذلوا حياتهم في سبيل المؤمنين، وهم الآن هناك مرضى ولا يمكنهم الحراك ولكنني أرى ابتسامتهم فورًا لأنّهم يشعرون بقرب الربّ منهم، وأرى في عيونهم المنيرة ذلك السؤال: كيف حال الكنيسة؟ كيف حال الأبرشيّة؟ كيف حال الدعوات؟ يهتمون حتى النهاية لأنّهم آباء وقد بذلوا حياتهم في سبيل الآخرين.
لنعد الآن إلى بولس الوحيد والمتسوِّل، ضحيّة الاضطهادات العنيفة والمتروك من قبل الجميع ما عدا الرّبّ يسوع كما يقول: "لكِنَّ الرَّبَّ كانَ معي وَقَوَّاني". والرّاعي الصّالح هو الرّاعي الذي يملك هذا اليقين: إن سرت على درب الرّبّ فالرّبّ سيكون بقربي في النهاية.
لنصلِّ من أجل الرّعاة الذين اقتربوا من نهاية حياتهم وينتظرون الرّبّ الذي سيأتي ليحملهم معه، ولنطلب منه أن يمنحهم القوّة والعزاء والضمانة بأنه قريب منهم بالرّغم من مرضهم ووحدتهم؛ ليمنحهم القوّة!
إذاعة الفاتيكان.