المقاومة الخفيّة

متفرقات

المقاومة الخفيّة

 

 

 

 

 

 

"جميعنا نقاوم النعمة في قلوبنا ولذلك يجب علينا أن نجد أسباب هذه المقاومة ونطلب مساعدة الربّ معترفين بأنّنا خطأة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وتوقّف عند المقاومة التي تختبئ خلف الكلمات الفارغة أو الكلمات المُبرِّرة أو كلمات الإتِّهام، وحذّر من التحوّل الروحيّ الخارجيّ والظاهريّ فقط.

 

استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من صلاة الجماعة "لتتغلّب نعمتك على مقاومة الخطيئة" ليتوقّف في تأمّله الصباحي عند المقاومة والمسيرة كجانبين من الحياة المسيحيّة، وقد ميّز البابا بين ثلاثة أنواع من المقاومة، وقال:

 

هناك المقاومة المفتوحة والتي تولد من الإرادة الصّالحة كمقاومة شاول الذي قاوم النعمة ولكنّه كان مقتنعًا بأنّه يتمِّم مشيئة الله. وعندما طلب منه يسوع نفسه أن يتوقّف عن الاضطهاد الذي كان يقوم به ضدّ المسيحيين ارتدَّ شاول. إنّ المقاومة المفتوحة هي أمر سليم بمعنى أنّها تنفتح على النعمة وتولّد الإرتداد، فجميعنا خطأة في الواقع.

 

إنّ المقاومة الخفيّة هي الأكثر خطرًا لأنّنا لا يمكننا أن نراها، وكلّ فرد منّا لديه أسلوبه الخاص في المقاومة الخفيّة للنعمة، وبالتالي ينبغي علينا أن نكتشفه ونضعه أمام الرّبّ لكي يُطهّرنا وينّقينا. إنّها المقاومة التي اتّهم اسطفانوس بها علماء الشّريعة: لقد كانوا يقاومون الرّوح القدس فيما كانوا يحاولون الظهور بموقف الذين يسعون لتحقيق مجد الله وعندما واجههم اسطفانوس كلّفه الأمر حياته.

 

ما هي طبيعة هذه المقاومة الخفيّة التي نملكها جميعنا؟ هي تأتي دائمًا لتوقف عمليّة ارتداد معيّنة. هي توقف المسيرة كمن يقول لك مبتسمًا: "لا يمكنك المتابعة قدمًا". فعندما يكون هناك عمليّة تغيير في مؤسّسة ما أو في عائلة ما أسمع على الدوام من يقول: "ولكنّنا نواجه بعض المقاومة في هذا الأمر..." ولكن لنشكر الله على هذه المقاومة لأنّها علامة أن عمليّة التغيير هذه هي من الله، فعندما تظهر هذه المقاومة فلأنّ الشيطان قد زرعها هناك لأنّه لا يريد أن يسير الرّبّ قدمًا.

 

 هناك مقاومة الكلمات الفارغة ولكي يشرح قصده استعان الحبر الأعظم بإنجيل متى والذي يقول فيه يسوع لتلاميذه "لَيسَ مَن يَقولُ لي: يا رَبّ، يا رَبّ! يَدخُلُ مَلَكوتَ السَّمَوات" (متى 7/ 21) تمامًا كما في مثل الرّجل الذي كان لديه ولدان، فدَنا مِنَ الأَوَّلِ وقالَ له: "يا بُنَيَّ، اِذهَبِ اليَومَ واعمَلْ في الكَرم". فأَجابَه: "لا أُريد". ولكِنَّه نَدِمَ بَعدَ ذلك فذَهَب. ودَنا مِنَ الآخَرِ وقالَ لَه مِثلَ ذلك. فَأَجابَ: "ها إِنِّي ذاهبٌ يا سيِّد!" ولكنَّه لم يَذهَب.

 

وهذه هي مقاومة الكلمات الفارغة أجيب دائمًا بالـ"نعم" بشكل دبلوماسيّ ولكنّني أعني فقط لا. نقول نعم سنغيّر كلّ شيء ومن ثمّ لا نقوم بأي تغيير، وهذا هو التحوّل الروحيّ الخارجيّ والظاهريّ فقط، وما يقوم به الأشخاص الذين يقولون "نعم" لكلّ شيء ولكنَّ موقفهم هو موقف الـ"لا" القاطعة. هذه هي مقاومة الكلمات الفارغة.

 

ومن ثمّ، هناك مقاومة الكلمات المُبرِّرة، أي عندما يسعى الشّخص ليبرّر نفسه باستمرار ويجد على الدوام دافعًا ليعترض ومبرِّرًا: "لقد تصرّفتُ بهذه الطريقة لأنّ الأمور سارت على هذا النحو..." وبالتالي عندما تكثر التبريرات فهذه إشارة إلى أنّ هذه المقاومة ليست من الله وإنّما من الشيطان، فالمسيحيّ لا يحتاج ليبرِّر نفسه لأنّ كلمة الله قد برّرته، وبالتالي هذه مقاومة الكلمات التي تسعى لتبرير موقفي لكي لا أقوم بما يطلبه الربّ منّي.

 

 وأخيرًا هناك مقاومة كلمات الإتِّهام، أي عندما نتَّهم الآخرين لكي لا ننظر إلى أنفسنا كمن يعتبر بأنّه ليس بحاجة للارتداد فنقاوم النعمة تمامًا كما يُظهره لنا مثل الفرّيسيّ والعشار. فالمقاومة إذًا ليست فقط على صعيد المقاومة التاريخيّة الكبيرة كمقاومة "خطّ ماجينو" لا!! وإنّما هي ما يحصل في داخلنا يوميًّا.

 

تشكّل مقاومة النعمة علامة جيّدة لأنّها تقول لنا أنّ الربّ يعمل في داخلنا، وبالتالي ينبغي علينا أن نكسر هذه المقاومة لكي تتمكّن النعمة من المضي قدمًا. إنّ المقاومة في الواقع تسعى على الدوام للإختباء خلف شكليات الكلمات الفارغة أو الكلمات المُبرِّرة أو كلمات الإتِّهام، وتسعى لإيقاف مسيرة الربّ لأنّه حيث يكون الربّ يكون هناك صليب أيضًا، ومقاومة الصّليب هي مقاومة الربّ الذي يحمل لنا الفداء. لذلك في كلّ مرّة نجد مقاومة ما لا ينبغي علينا أن نخاف وإنّما أن نطلب مساعدة الربّ معترفين بأنّنا خطأة.

 

 أقول لكم لا نخافنَّ أبدًا عندما نجد مقاومة في قلوبنا، وإنّما لنتوجّه إلى الربّ قائلين: "أنظر إليّ يا ربّ، فأنا أسعى لأخفي هذا الأمر أو لكي لا أسمح لكلمتك بأن تدخل إلى قلبي..." وأن نتابع بهذه الكلمات الجميلة: "تعال إلى نجدتي يا ربّ بقوّتك العظيمة، ولتتغلّب نعمتك على مقاومة الخطيئة!".

 

إنّ المقاومة هي على الدوام ثمرة الخطيئة الأصليّة التي نحملها، كما وهي ليست أمرًا جميلاً لأنّها تقاوم نعمة الربّ. إنّ المقاومة هي أمر طبيعيّ ولكن ينبغي علينا أن نتوجّه إلى الله قائلين: "ساعدني يا ربّ أنا الخاطئ!" ليساعدنا إذًا هذا التأمّل في استعدادنا لعيد الميلاد!

 

 

إذاعة الفاتيكان.