المغفرة هي درب القداسة!

متفرقات

المغفرة هي درب القداسة!

 

 

 

 

 

 

 

 

زار قداسة البابا فرنسيس عصر أمس الأحد رعيّة القديسة ماريا جوزيفا لقلب يسوع في بونتيه دي نونا في ضواحي شرق روما حيث احتفل بالقداس الإلهيّ مع أبناء الرعيّة بعد أن التقى بالشباب والمرضى والعائلات التي تساعدها كاريتاس.

 

وقد تخلّلت الذبيحة الإلهيّة عظة للأب الأقدس قال فيها نجد اليوم في القراءات رسالة وحيدة، ففي القراءة الأولى(سفر الأحبار19/ 1-17،2-18) تقول لنا كلمة الرب "كونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ إِلهَكم قُدُّوس"(سفر الأحبار 19/ 2) هذا ما يقوله لنا الله الآب.

 

أما الإنجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجيّة (متى5/ 38- 48) اليوم فينتهي بكلمات يسوع هذه: "فَكونوا أَنتُم كامِلين، كَما أَنَّ أَباكُمُ السَّماوِيَّ كامِل"(متى 5/ 48). هذا هو برنامج الحياة: كونوا قدّيسين لأنَّ الله قدّوس وكونوا كاملين لأنّه كامل! قد تسألونني: "ولكن يا أبانا كيف هي درب القداسة وما هي المسيرة لنصبح قدّيسين؟" في الإنجيل يشرح لنا يسوع ذلك من خلال أمور ملموسة.

 

 يقول لنا يسوع: "سَمِعتُم أَنَّه قيل: العَينُ بِالعَين، وَٱلسِّنُّ بِالسِّنّ. أَمّا أَنا فَأَقولُ لَكُم: لا تُقاوِموا الشِّرّير. بَل مَن لَطَمَكَ عَلى خَدِّكَ الأَيمَن، فَاعرِض لَهُ الآخَر"(متى5/ 38 -39) أي لا للانتقام، لأنّه في كل مرّة أحمل استياءً أو نقمة في قلبي لشيء تسبب به شخص ما لي وتجتاحني الرغبة بالانتقام أكون قد ابتعدت عن درب القداسة.

 

وبالتالي لا للإنتقام، وتلك الأقوال كـ "سأجعلك تدفع الثمن" لا تدخل أبدًا في قاموس لغة المسيحي! لا للإنتقام! قد يقول لي أحدكم: "ولكن ذلك الشخص يحوّل حياتي إلى جحيم... أو تلك الجارة تتحدّث عنّي بالسوء يوميًّا... سأقوم بذلك أنا أيضًا" لا! الرب يطلب مني أن أصلّي من أجله ومن أجلها؛ هذه هي درب المغفرة ونسيان الإساءة، لأننا نتغلب على الشرّ بالخير وعلى الخطيئة بهذا السخاء وهذه القوّة. فالنقمة وكما نعرف جميعًا هي أمر سيء وليس صغيرًا أبدًا!

 

أضاف البابا فرنسيس متحدّثًا عن الأوضاع الحاليّة مشيرًا إلى الحروب الكثيرة والحقد والكراهية وجميع هذه الأمور التي تخبرنا عنها وسائل الإعلام وقال إنه الحقد عينه، ذاك الذي تحمله في قلبك لذلك القريب أو تلك الجارة... إنه الحقد نفسه ولكنّه أكبر والحقد ليس أمرًا مسيحيًّا؛ فيسوع يطلب منا أن نكون قدّيسين وكاملين مثل الله أبانا الذي يُطلِعُ شَمسَهُ عَلى الأَشرارِ وَالأَخيار، وَيُنزِلُ المَطَرَ عَلى الأَبرارِ وَالفُجّار. فالله صالح ويمنح عطاياه الصالحة للجميع، وبالتالي هذه هي درب القداسة، بالنسبة للبابا وهي تبعد الحرب.

 

إن تعلّم جميع الرجال والنساء في العالم هذا الأمر فلن يكون هناك حروب بعد الآن، لأن الحرب تبدأ هنا في المرارة والحقد والرغبة في الانتقام وهذا ما يدمّر العائلات والصداقات والأحياء... قد يسألني أحدكم: "وماذا يجب عليّ أن أفعل؟" يسوع هو الذي يعطيني الجواب: "أَحِبّوا أَعداءَكُم، وَصَلّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم"(متى5/ 44)؛ قد يسألني أحدكم: "هل يجب أن أحبّ عدوي؟"، نعم عليك ذلك! – ولكنني لا أقدر – صلِّ لكي تتمكّن من محبّته! وهل عليّ أن أصلّي من أجل من يؤذيني؟ نعم، صلِّ من أجله لكي يغيّر حياته وكي يغفر الرب له.

 

تابع الأب الأقدس مسلِّطًا الضوء على محبة الله الرحوم والذي يغفر كلّ شيء، وقال صحيح أن الله هو أب رحيم ولكن هل أنت رحوم مع الأشخاص الذين تسببوا لك بأذى ما؟ أو الذين لا يحبّوك؟ إن كان هو رحيم وقدّيس وكامل فعلينا نحن أيضًا أن نكون رحماء وقدّيسين وكاملين مثله. هذه هي القداسة وكل إنسان يعيش بهذه الطريقة يستحق أن يُصبح قديسًا. إن الحياة المسيحية لبسيطة جدًّا وأنا أنصحكم أن تبدؤوا بالأمور الصغيرة!

 

 جميعنا لدينا أعداء وجميعنا نعرف أن هناك من يتحدّث عنا بالسوء أو أن هناك من يكرهنا، قد يقول لي أحدكم: "أعرف أن ذلك الشخص يتحدّث عني بالسوء وقد قال عني أمورًا سيئة" أقترح عليك أن تأخذ دقيقة من الوقت وتنظر إلى الله الآب وتقول له: "هذا هو ابنك غيّر قلبه وباركه" يمكننا أن نرفع ببساطة هذه الصلاة على نيّة الأشخاص الذين لا يحبوننا، قد يبقى الشعور بالاستياء ولكن، أقلّه، نحن نجتهد في السير على درب هذا الإله الصالح والرحيم، القديس والكامل الذي يُطلِعُ شَمسَهُ عَلى الأَشرارِ وَالأَخيار، وَيُنزِلُ المَطَرَ عَلى الأَبرارِ وَالفُجّار! إنّه صالح مع الجميع وبالتالي ينبغي علينا جميعًا أن نكون صالحين مع الجميع ونصلي من أجل الجميع.

 

 من الصعب علينا أن نصلّي من أجل الذين يقتلون الأطفال في الحروب ولكن علينا أن نتعلّم هذه الصلاة. نحن نصلي من أجل الأشخاص القريبين منا والذين يحبّوننا ولكن هل نصلّي من أجل الذين يكرهوننا ويسبِّبون لنا الأذى؟ قد يقول لي أحدكم: "يا أبت إنه أمر صعب جدّا، لا بل تجتاحني الرغبة بأن أنتقم منه!" صلِّ! ينبغي عليك أن تصلّي لكي يغيّر الرب حياته، لأن الصلاة هي الترياق ضدّ الحقد والحروب، تلك الحروب التي تبدأ في البيوت والأحياء والعائلات... فكروا فقط بالحروب التي تقوم في العائلات بسبب الميراث: كم من العائلات تتدمّر ويكره أعضاؤها بعضهم البعض بسبب الميراث، وبالتالي ينبغي علينا أن نصلّي لكي يحلّ السلام وبشكل خاص من أجل الأشخاص الذين نعرف أنهم لا يحبّوننا. إن الصلاة قويّة وتتغلّب على الشرّ... الصلاة تحمل السلام؛ وفي القراءات اليوم تعطينا كلمة الله ببساطة هذه النصيحة: "كونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ إِلهَكم قُدُّوس"(سفر الأحبار19/ 2) و"َكونوا أَنتُم كامِلين، كَما أَنَّ أَباكُمُ السَّماوِيَّ كامِل"(متى 5/ 48). 

 

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول ينبغي علينا أن نطلب نعمة عدم البقاء في النقمة والاستياء وأن نصلّي من أجل الأعداء والأشخاص الذين لا يحبوننا ونعمة السلام. إنها صلاة يمكننا أن نرفعها يوميًّا فنسير هكذا على درب القداسة والكمال هذه. 

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.