"الدّيانة المسيحيّة هي ديانة ملموسة تقوم على فعل الخير وليست ديانة القول التي تقوم على الريّاء والغرور" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان.
قال الأب الأقدس إنَّ الحياة المسيحيّة هي أمر ملموس، والله هو ملموس أيضًا ولكن ما أكثر المسيحيِّين الزائفين، أولئك الذين يجعلون من انتمائهم للكنيسة مجرّد وسام بدون التزام ومناسبة للحصول على امتيازات معيّنة بدل من أن تكون خبرة خدمة تجاه الفقراء.
استهلّ البابا فرنسيس عظته انطلاقـًا من القراءات التي تقدّمها لنا الليتورجيّة اليوم من سفر النبيّ أشعيا (سفر أشعيا 1/ 16 -20) والإنجيليّ متى (23/ 1- 12) ليشرح مجدّدًا الجدليّة الإنجيليّة بين القول والفعل. وسلّط الضّوء في عظته على كلمات يسوع التي يدين فيها ريّاء الكتبة الفريسيِّين ويقول لتلاميذه: "إفعَلوا ما يَقولونَ لَكُم وَاحفَظوه. وَلَكِن لا تَفعَلوا مِثلَ أَفعالَهُم، لأنَّّهُم يَقولونَ وَلا يَفعَلون. يَحزِمونَ أَحمالاً ثَقيلَةً وَيُلقونَها عَلى أَكتافِ ٱلنّاس، وَلَكِنَّهُم يَأبَونَ تَحريكَها بِطَرَفِ الإِصبَع"
إنّ الرّبّ يعلّمنا الدرب الذي ينبغي علينا إتّباعه. كم من المرّات نجد أشخاصًا – وأحيانًا نحن أيضًا – يقولون أنّهم كاثوليك ولكنّهم لا يفعلون شيئًا يدلّ على حياتهم المسيحيّة والتزامهم. كم من الوالدين يقولون أنّهم كاثوليك ولكنّهم لا يملكون الوقت ليتحدّثوا مع أبنائهم أو ليصغوا إليهم؛ وكم من الأشخاص يتركون والديهم في بيوت الرّاحة ولا يزورونهم لكنّهم يقولون أنّهم كاثوليك. لكن هذه هي ديانة القول: أقول شيئًا ما وأتصرّف بعكسه.
أن يقول المرء شيئًا ما ويتصرّف بعكسه هو خداع واحتيال، وفي هذا السّياق تأتي كلمات النبيّ أشعيا لتقول لنا ما يريده الله منّا: "كفوا عن الإساءة. تَعَلَّموا ٱلإِحسان، وَالتَمِسوا الإِنصاف. أَغيثوا ٱلمَظلوم، وَأَنصِفوا ٱليَتيم، وَحاموا عَنِ ٱلأَرمَلَة". ولتظهر لنا أيضًا رحمة الله اللامتناهيّة والذي يقول للبشريّة: "تَعالَوا نَتحاجَج، ولَو كانَت خَطاياكم كالقِرمِزِ تبيَضُّ كالثَّلج ولو كانَت حَمراءَ كَصَبغ الدّود تصيرُ كالصُّوف": إنّ رحمة الله تأتي إلى لقاء الذين يملكون الشّجاعة ليتحاوروا معه وإنّما حول الحقيقة، حول الأمور التي أقوم بها والتي لا أقوم بها لأصلح تصرّفاتي.
وهذه هي محبّة الرّب الكبيرة، وفي هذه الجدليّة بين القول والفعل، أن يكون المرء مسيحيًّا يعني أن يفعل مشيئة الله؛ وفي اليوم الأخير – وسيكون هناك يوم أخير لنا جميعًا – في ذلك اليوم وعندما سيسألنا الرّبّ: لن يسألنا "ماذا قلتم عنّي؟" لا وإنّما "ما هي الأمور التي قمتم بها؟".
وختم البابا فرنسيس عظته مذكّرًا بالفصل الأخير من إنجيل القدِّيس متى حول الدينونة الأخيرة (متى 25/ 31 -46) عندما سيطلب الله من الإنسان أن يؤدّي الحساب لما فعله تجاه الجائعين والعطاش والمساجين والغرباء؛ وقال هذه هي الحياة المسيحيّة لأن القول يقودنا فقط إلى الغرور والكبرياء وإلى التظاهر بالعيش كمسيحيِّين. ليعطنا الرّب هذه الحكمة لنفهم الفرق بين القول والفعل وليعلّمنا الدرب الذي ينبغي علينا إتباعه ويساعدنا لنسيره، لأنّ درب القول فقط سيقودنا إلى مكان علماء الشّريعة الذين كانوا يلبسون ويتصرفون كالملوك وهذه ليست حقيقة الإنجيل!
إذاعة الفاتيكان.