"الله يبكي اليوم أيضًا أمام الكوارث والحروب التي تُصنع "لعبادة الإله – المال" وأمام الأطفال الذين يُقتلون" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وأكّد أن الله يبكي من أجل البشريّة التي لا تفهم السّلام الذي يقدّمه لها، سلام الحبّ.
استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من إنجيل لوقا (13/ 31-34) والذي يصف فيه يسوع هيرودس بالـ "ثعلب" بعد أن دنا منه بعض الفريسيون وطلبوا منه أن يرحل لأن هيرودس يريد قتله، وبالتالي يتابع يسوع حديثه ويخبر عن موته ويقول: "ها إِنّي أَطرُدُ الشَّياطينَ وَأُجري الشِّفاءَ اليَومَ وَغَدًا، وَفي اليَومِ الثّالِثِ يَنتَهي أَمري. ولكن يَجِبُ عَلَيَّ أَن أَسيرَ اليَومَ وَغَدًا وَاليَومَ الَّذي بَعدَهُما، لأنَّهُ لا يَنبَغي لِنَبِيٍّ أَن يَهلِكَ في خارِجِ أورَشَليم"، ويتابع من ثمّ متوجِّها إلى أورشليم ويقول: "أورَشَليم، أورَشَليم، يا قاتِلَةَ الأَنبِياءِ وَراجِمَةَ المُرسَلينَ إِلَيها!"
بعد هذا القول غيّر يسوع نبرة صوته وتابع متحدثًا بحنان، حنان الله؛ فيسوع ينظر الآن إلى شعبه وينظر إلى أورشليم ويبكي، والله الآب يبكي أيضًا من خلال شخص يسوع قائلاً: "كَم مَرَّةٍ أَرَدتُ أَن أَجمَعَ أَبناءَكِ كَما تَجمَعُ ٱلدَّجاجَةُ فِراخَها تَحتَ جَناحَيها! فَلَم تُريدوا!". لقد قال أحدهم مرّة أن الله صار إنسانًا ليتمكن من البكاء وليبكي على ما فعله أبناؤه.
إنّ بكاء يسوع على قبر لعازر كان بكاء الصديق أمّا هنا فبكاؤه هو بكاء الآب. وفي هذا السياق يذهب فكرنا إلى أب الابن الضالّ عندما طلب حصّته من الميراث وذهب. هذا الأب، لم يذهب إلى جيرانه ليخبرهم بما حدث وبما فعله ابنه به وكذلك لم يلعن ابنه، وإنّما وأنا واثق بأنّه ذهب وحده ليبكي.
ولماذا أقول هذا؟ الإنجيل لا يخبرنا أنّه بكى صحيح، ولكنّه يقول لنا إنّه وفيما كانَ لم يَزَل بَعيداً إِذ رآه أَبوه، فتَحَرَّكَت أَحشاؤُه وأَسرَعَ فأَلقى بِنَفسِه على عُنُقِه وقَبَّلَه طَويلاً: هذا يعني أنّ الأب كان يخرج يوميًّا ليرى إن كان ابنه يعود إلى البيت، والأب الذي يتصرّف على هذا النحو هو أب يبكي في انتظار عودة الابن. هذا هو بكاء الله الآب، وبهذه الدّموع يخلق الآب في ابنه مجدّدًا الخليقة بأسرها.
بعدها انتقل الأب الأقدس للحديث عن يسوع عندما حمل صليبه وسار نحو الجلجلة وقال كانت النساء تبكينه فقال يسوع لهنّ "لاَ تَبكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابكِينَ عَلَى أَنفُسِكُنَّ وَعَلَى أَولاَدِكُنَّ". إذًا فالله لا يزال اليوم أيضًا يبكي بكاء أمّ وأب. الله يبكي اليوم أيضًا أمام الكوارث والحروب التي تُصنع "لعبادة الإله – المال" وأمام العديد من الأبرياء الذين يُقتلون بسبب القنابل التي يرميها عُبّاد المال، واليوم أيضًا يبكي الله الآب ويقول: "أورشليم، أورشليم، يا أولادي ماذا تفعلون؟" ويقوله للضحايا الأبرياء ولتجار الأسلحة وجميع الذين يبيعون حياة الأشخاص. سيساعدنا جدًّا أن نفكِّر بأنّ الله الآب صار إنسانًا ليبكي، وسيساعدنا أن نفكّر أن الله أبانا يبكي اليوم أيضًا: يبكي من أجل هذه البشريّة التي لا تفهم السّلام الذي يقدّمه لها، سلام الحبّ!
إذاعة الفاتيكان.