"الله أمين لعهده على الدوام: لقد كان أمينًا لعهده مع إبراهيم ولوعده بالخلاص بابنه يسوع" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وحثّ المؤمنين على التوقف لبرهة من الوقت ليتأمَّل كلّ فرد منهم بتاريخه ويكتشف جمال محبّة الله له حتى وسط الأمور السيّئة التي نختبرها جميعًا في حياتنا.
تمحورت عظة الأب الأقدس حول شخصيّة إبراهيم التي تقدّمها لنا الليتورجيّة اليوم من سفر التكوين (17/ 3 -9) والتي تحدّثنا عن العهد الذي أقامه الله مع إبراهيم الذي يدعوه يسوع والفرّيسيون في إنجيل اليوم "أبانا" لأنَّ منه قد ولد هذا الشّعب الذي يكوِّن الكنيسة اليوم.
قال البابا فرنسيس: وثق إبراهيم وأطاع عندما دعاه الله وطلب منه أن يترك أرضه وينطلق إلى الأرض التي أراد أن يمنحه الله إيّاها. إنّه رجل إيمان ورجاء، آمن عندما قال له الله أنّه سيُرزقه ابنًا من امرأته العاقر وهو ابن مئة سنة وبالتالي إن أردنا أن نَصِفَ حياة إبراهيم يمكننا أن نقول إنّه مجرّد حالم! صحيح أنّه كان يملك صفات الحالم ولكنَّ حلمه كان حلم رجاء وبالتالي لم يكن مجنونًا أبدًا.
تابع الحبر الأعظم يقول لقد امتحنه الله أيضًا، فبعد أن ولدت امرأته وكبر الصبيّ، طلب الله من إبراهيم أن يأخذ ابنه ويُصعده محرقة لله، فأطاع وسار قدمًا راجيًا على غير رجاء. هذا هو أبانا إبراهيم الذي يسير قدمًا وعندما يقول يسوع: "إِبتهجَ أَبوكُم إِبراهيم راجِياً أَن يَرى يَومي ورآهُ ففرِح"، أي أنّه رآه في الوعد وفرح برؤية ملء وعد العهد، وبالتالي فرح لدى رؤيته أنّ الله لم يخدعه وأنّ الله – كما صلّينا في (المزمور105)– أمين لعهده على الدوام.
يدعونا المزمور (105/ 4 -9) أيضًا لنتذكر العظائم والآيات التي صنعها الله لنا نحن نسل إبراهيم، تمامًا كما نتذكر الأمور الصّالحة التي تركها لنا آباءنا ونفكر: "كم كان عظيم أبي!". إنّ العهد، من جهّة إبراهيم، يقوم على أنّه أطاع على الدوام، أمّا من جهّة الله فالوعد هو بأن يجعله "أَبًا لِعَدَدٍ كَبيرٍ مِنَ الأُمَم" و"لا يَكونُ اَسمُه أَبْرامَ بَعدَ، بل يَكون اسمُه إِبراهيم" وآمن إبراهيم بكلام الرَّبّ.
ونقرأ في حوار لله مع إبراهيم في نص آخر من سفر التكوين "لأُبارِكَنَّكَ وأُكَثِّرَنَّ نَسلَكَ كنُجومِ السَّماء وكالرَّملِ الَّذي على شاطِئِ البَحر، وَيرِثُ نَسلُكَ مُدُنَ أَعدائِه"، وبالتالي يمكن لكلِّ فردٍ منّا أن يقول أنا إحدى هذه النجوم وأنا حبّة من رمل البحر.
بيننا وبين إبراهيم نجد قصّة أخرى وهي قصّة أبانا الذي في السّماوات ويسوع، ولذلك يقول يسوع للفريسيِّين: "إِبتهجَ أَبوكُم إِبراهيم راجِيًا أَن يَرى يَومي ورآهُ ففرِح" هذه هي الرّسالة الكبرى ولذلك تدعونا الكنيسة اليوم لنتوقّف للتأمّل بجذورنا وأبانا الذي خلقنا وجعلنا شعبًا كنُجومِ السَّماء وكالرَّملِ الَّذي على شاطِئِ البَحر. علينا أن ننظر إلى التاريخ: أنا لست وحدي أبدًا وإنّما أنا أنتمي إلى شعب وعلينا أن نمشي معًا. الكنيسة هي شعب، وإنّما شعب حلم به الله، شعب لديه أب على الأرض أطاع، وأخ بذل حياته من أجلنا ليجعلنا شعبًا. وهكذا يمكننا أن ننظر إلى الآب ونشكره، وأن ننظر إلى يسوع ونشكره وننظر إلى إبراهيم وأنفسنا مُدركين أنّنا جزء من هذه المسيرة.
وختم البابا فرنسيس عظته داعيًا الجميع كي يجعلوا من اليوم "يوم ذكرى" مؤكّدًا أنّ في هذا التاريخ الكبير بين الله ويسوع نجد التاريخ الصغير لكلِّ فرد منّا وقال أدعوكم اليوم ليأخذ كلّ منكم خمس أو عشر دقائق ويجلس للتأمل بتاريخه: البركات والويلات، النعم والخطايا، وأن ننظر إلى أمانة هذا الإله الذي بقي أمينًا لعهده وللوعد الذي قطعه لإبراهيم وللخلاص الذي وعدنا به من خلال ابنه. وأنا متأكِّد أنّه حتى وسط الأمور السيّئة – لأنّنا جميعًا نختبر أمورًا سيّئة في حياتنا – سنكتشف جمال محبّة الله لنا وجمال رحمته وجمال الرّجاء، وأنا متأكِّد بأنّ هذا الأمر سيملؤنا فرحًا!
إذاعة الفاتيكان.