"نجد في الكنيسة اليوم أيضًا أشخاصًا يستغلّون القساوة والتشدُّد كي يخفوا خطاياهم" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الجمعة في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وإذ توقّف عند القراءة من كتاب أعمال الرسل (9/ 1 -20) سلّط الأب الأقدس الضّوء على صورة القدّيس بولس الذي تحوّل من مُضّطهِدٍ قاسٍ إلى مُبشِّرٍ بالإنجيل وديعٍ وصبور.
يظهر اسم شاول للمرّة الأولى في حدث رجم اسطفانوس. كان شاول شابًا قاسيًا ومتشدِّدًا، مثاليًا ومُقتنعًا بقساوة الشّريعة. كان قاسيًا صحيح ولكنّه كان صادقـًا. أمّا يسوع فقد أدان مرّات عديدة القساة الذين لم يكونوا صادقين. إنّهم القساة الذين يعيشون حياة مزدوجة يظهرون جميلين وصادقين ولكن عندما يكونون بعيدين عن الأنظار يقومون بأمور سيّئة.
لكنَّ هذا الشّاب كان صادقـًا وكان يؤمن بما كان يفعله. وفيما أقول هذا أفكّر بالعديد من الشباب الذين سقطوا اليوم في تجربة القساوة والتشدّد في الكنيسة؛ بعضهم صادقون وصالحون وعلينا أن نصلّي لكي يساعدهم الرّب كي ينموا في درب التواضع والوداعة.
ولكن هناك البعض الآخر وهم الذين يستعملون القساوة والتشدُّد ليخفوا ضعفهم وخطاياهم وأمراضهم النفسيّة ويستعملون القساوة مع الآخرين ليحققوا ذواتهم. وبالتالي فشاوول الذي تربّى في القساوة لم يكن بإمكانه قبول ما كان يعتبره هرطقة ولذلك راح يضطهد المسيحيّين.
وفيما كان سائرًا إلى دمشق ليسوق المسيحيّين سجناء إلى أورشليم التقى بشخص يتحدّث لغة الوداعة: "شاوول! شاوول! لِماذا تَضطَهِدُني؟".
تحوّل ذلك الرّجل القاسي والصّادق، إلى طفل وسمح للرّب الذي دعاه بأن يقوده، وبقوّة وداعة الرَّبّ تحوّل شاوول إلى بولس وانطلق يعلن الرّبّ إلى أقصى الحدود وتألّم من أجله. وهكذا بشّر هذا الرَّجل الآخرين من خلال خبرته، فبعد أن كان قد اضطهد الكنيسة تألّم بعدها بسبب انقسامات المسيحيِّين، وهو الذي كان قد اضطهد الرّبّ بسبب غيرته على الشريعة قال للمسيحيِّين: "كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولكِن لَيسَ كُلُّ شَيءٍ يَنفَع. كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولكِنِّي لن أَدَعَ شَيئًا يَتَسَلَّطُ عليَّ... أَوَ ما تَعلَمونَ أَنَّ أَجسادَكُم هي هَيكَلُ الرُّوحِ القُدُس، وهو فيكُم قد نِلتُمُوه مِنَ الله، وأَنَّكُم لَستُم لأَنفُسِكُم؟ فقَدِ اشتُريتم وأُدِّيَ الثَّمَن. فمجِّدوا اللهَ إِذًا بِأَجسادِكم".
هناك حوار بين الاكتفاء والقساوة والوداعة. حوار بين رجل صادق ويسوع الذي يحدّثه بحنان وطيبة؛ وهكذا تبدأ قصة هذا الشّاب الذي تعرّفنا عليه في قصّة رجم اسطفانوس. تشكل حياة القدّيس بولس فشلاً بالنسبة للبعض، تمامًا كحياة يسوع ولكن هذه هي درب المسيحيّ: مسيرة على الخطى التي تركها يسوع لنا، خطى البشارة والألم، خطى الصّليب والقيامة. لنطلب اليوم بشكلٍ خاصّ من شاوول من أجل القساة والمتشدّدين في الكنيسة، الذين وعلى مثاله هم صادقون وغيورون ولكنّهم يخطئون؛ وللقساة والمتشدّدين المرائين أيضًا الذين يعيشون حياة مزدوجة والذين يقول لنا يسوع عنهم "اسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم!". فلتكن صلاتنا اليوم إذًا من أجل القساة والمتشدّدين!
إذاعة الفاتيكان.