الفرح المسيحي

متفرقات

الفرح المسيحي

 

 

الفرح المسيحي

 

 

 

 

"نجد في الفصول الثمانية الأوائل من كتاب أعمال الرسل ملخّصًا كاملاً لتاريخ الكنيسة: البشارة والمعموديّة والارتدادات والعجائب والاضطهادات والفرح وإنما نجد أيضًا خطيئة الأشخاص الذين يقتربون من الكنيسة من أجل مصالحهم الشخصيّة، أولئك المحسنين إلى الكنيسة الذين يستغلّونها في النهاية على مثال حنانيا وسفيرة" هذا ما تمحورت حوله عظة البابا فرنسيس في القداس الإلهي الذي ترأسه صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان ليعود وتوقّف في تأمّله الصباحي عند القراءة الأولى التي تقدّمها لنا الليتورجيّة اليوم من كتاب أعمال الرسل (8/ 26 -40) حول فيليبس وخازن أموال ملكة الحبش وقال إن الرب قد رافق تلاميذه منذ البدء مؤكِّدًا على الكلمة بواسطة الآيات والعجائب فهو لم يكن يتركهم وحدهم حتى في الأوقات الأشد صعوبة.

 

توقّف الحبر الأعظم في عظته عند ثلاث كلمات من القراءة الأولى وأولها "قُم فامضِ" التي وجّهها الملاك لفيليبس وقال إنها علامة لحمل البشارة. فالدعوة هي تعزية الكنيسة الكبيرة وهي حاملة بشارة. لكن لنبشّر علينا أن نقوم ونمضي، لا أن نبقى جالسين في دفئ بيوتنا، والكنيسة لكي تبقى أمينة للرب على الدوام ينبغي عليها أن تقوم وتسير، والكنيسة التي لا تقوم وتنطلق تمرض وتنغلق في عالم من الصدمات النفسيّة والروحيّة، في عالم من الثرثرة وبدون آفاق. وبالتالي " قُم فامضِ" هو الأسلوب الذي ينبغي على الكنيسة أن تتبناه في البشارة.

 

أما الكلمة الثانية فهي: "تَقَدَّمْ فالحَقْ هذهِ المَركَبة" وهي الدعوة التي نالها فيليبس من الروح. على تلك العربة كان يسافر رجل من الحبشة وكانَ راجِعًا مِن أُورَشَليم بَعدَ ما زارَها حاجًّا، وقَد جَلَسَ في مَركَبتِه يَقَرأُ النَّبِيَّ أَشَعيا. يتعلّق الأمر بارتداد خازن أموال ورجل ذو منصب عالٍ وبالتالي إنها لمعجزة كبيرة. لقد حث الروح فيليبس على الاقتراب من ذلك الرجل ولكنّه لم يقل له أن يبشّره ومن هنا تابع الحبر الأعظم يقول نرى أهميّة الكنيسة التي تعرف كيف تصغي إلى القلق الساكن في قلب كل إنسان.

 

جميع الرجال والنساء يحملون قلقًا في قلوبهم، قد يكون صالحًا أو سيّئًا ولكنه موجود على الدوام، وبالتالي فالروح لم يرسل فيليبس قائلاً "إذهب واقتنص" بل "إذهب وأصغِ" وبالتالي فالإصغاء هو الخطوة الثانية، وهكذا تكون الخطوة الأولى بالانطلاق والثانية بالإصغاء. وقدرة الإصغاء هذه تشمل ما يشعر به الناس ويحملونه في قلوبهم والأمور التي يفكّرون بها حتى وإن كانت خاطئة أحيانًا... لا بل ينبغي عليَّ أن أصغي أيضًا إلى هذه الأمور الخاطئة لأفهم جيّدًا أين يقيم هذا القلق، لذلك فالخطوة الثانية التي يجب على الكنيسة أن تقوم بها هي أن تجد قلق الناس.

 

 

عندما رأى الرجل الحبشي فيليبس سأله إن كان النَّبِيُّ بِهذا الكَلام يَعْني َنَفْسَه أَم شَخْصًا آخَر ودعاه ليصعد إلى المركبة؛ عندها بدء فيليبس يشرح له ويبشّره بوداعة، فوجد قلق الحبشي شرحًا ملأ قلبه بالرجاء؛ ولكنّ هذا الأمر تحقق فقط لأنّ فيليبس اقترب وأصغى أولاً. وفيما كان الحبشي يصغي إلى فيليبس قام الرب بعمله داخل قلبه، بهذا الشكل فهم الرجل أن النبي يتحدّث عن يسوع، ونما إيمانه بيسوع لدرجة أنّه ما إن وَصَلا إِلى ماء، حتى قالَ الحَبَشِيّ: "هذا ماء، فما يَمنَعُ أَن أَعتَمِد؟".

 

لقد طلب المعموديّة لأنّ الروح القدس قد عمل في قلبه، ولذلك علينا أن نسمح للروح القدس أن يعمل في قلب الناس. وبعد المعموديّة خَطِفَ روحُ الرَّبِّ فيلِيبُّس، فغابَ عن نَظرِ الحبشي الذي  َمَضى في طريقِه فَرِحًا. وأَمَّا فيلِيبُّس فقَد تابع مسيرته، وبالتالي فالكلمة الثالثة هي الفرح، فرح المسيحي.

 

وختم البابا فرنسيس عظته متمنيًا أن تتمكن الكنيسة من الوقوف أُمًّا تصغي بنعمة الروح القدس وتجد الكلمات الملائمة لتقولها وقال إن الكنيسة الأُمّ التي تعطي العديد من الأبناء من خلال هذه الطريقة – التي ليست اقتناصًا – وإنما من خلال أسلوب الشهادة للطاعة تقول لكل فرد منا اليوم: إفرح! هذا هو فرح أن نكون مسيحيين حتى في الأوقات الصعبة، لأنّ اضطهاد المسيحيين بدء فورًا بعد رجم اسطفانوس فانتشروا في جميع أنحاء العالم، وبشَّروا بكلمة يسوع. ليمنحنا الرب جميعًا نعمة أن نعيش الكنيسة بهذا الشكل: كنيسة تقوم وتنطلق تصغي إلى فرح الناس وتعيش بفرح على الدوام! 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.