أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامّة مع المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس ووجّه نداء قال فيه أدعو للصّلاة من أجل ضحايا الكوارث الطبيعيّة التي ضربت خلال هذه الأيّام الولايات المتحدة الأمريكيّة، إنكلترا وأمريكا الجنوبيّة لاسيّما الباراغواي، مُسبِّبة للأسف العديد من الضحايا والنازحين والأضرار الجسيمة. ليمنح الرّبّ العزاء لتلك الشعوب وليعضدهم التضامن الأخويّ في احتياجاتهم.
هذا وكان الأب الأقدس قد استهلّ تعليمه الأسبوعيّ بالقول:
خلال هذه الأيّام الميلاديّة يوضع أمامنا الطفل يسوع. أنا متأكّد أنّه في بيوتنا لا يزال هناك العديد من العائلات التي تصنع المغارة وتحمل قدمًا هذا التقليد الجميل الذي يعود إلى القدّيس فرنسيس الأسيزي والذي يحفظ حيًّا في قلوبنا سرّ الله الذي صار إنسانًا.
إنّ التعبد للطفل يسوع منتشر جدًا. لقد نمّاه العديد من القدّيسين والقدّيسات في صلواتهم اليوميّة ورغبوا بصقل حياتهم على حياة الطفل يسوع. أفكّر بشكل خاص بالقدّيسة تريزيا دي ليزيو التي وكراهبة كرمليّة حملت اسم تريزيا للطفل يسوع وللوجه الأقدس. هي - وهي أيضًا ملفانة للكنيسة - عرفت كيف تعيش وتشهد لتلك "ًالطفولة الروحيّة" والتي يمكن فهمها من خلال التأمّل، في مدرسة العذراء مريم، بتواضع الله الذي صار صغيرًا لأجلنا. وهذا سرّ عظيم، إن الله متواضع!
أمّا نحن فمتكبّرون وممتلئون بالغرور ونعتبر أنفسنا أشخاصًا مهّمين فيما نحن لسنا بشيء! هو العظيم والمتواضع صار طفلاً، وهذا سرّ حقيقي! الله متواضع وهذا أمر جميل!
لقد كان هناك زمن كان خلاله الله طفلاً في شخص المسيح الإله - الإنسان ولهذا الأمر معناه المميّز لإيماننا. صحيح أنّ موته على الصّليب وقيامته من بين الأموات هما التعبير الأعظم لمحبّته الفادية ولكن لا ينبغي علينا أن ننسى أنّ حياته الأرضيّة بأسرها كانت وحيًا وتعليمًا.
خلال الفترة الميلاديّة نتذكّر طفولته. لننمو بالإيمان نحن بحاجة للتأمل غالبًا بالطفل يسوع. بالتأكيد نحن لا نعرف شيئًا حول مرحلته هذه. إنّ العلامات النادرة التي نملكها تشير إلى وضع الاسم بعد ثمانية أيّام من ولادته وإلى التقدمة إلى الهيكل (لوقا ٢، ٢١-٢٨)؛ بالإضافة إلى زيارة المجوس والتي تبعها الهرب إلى مصر (متى ۲، ١-۲۳). من ثمَّ هناك قفزة كبيرة حتى سن الثانية عشرة عندما ذهب يسوع مع مريم ويوسف في حجٍّ إلى أورشليم بمناسبة الفصح وبدلاً من أن يعود مع والديه بقي في الهيكل يتكلّم مع علماء الشّريعة.
كما نرى، نعرف القليل عن الطفل يسوع، ولكن بإمكاننا أن نتعلّم الكثير منه إذا نظرنا إلى حياة الأطفال. إنّها عادة جميلة أن يراقب الوالدين والأجداد ما يقوم به الأطفال. نكتشف أولاً أنّ الأطفال يريدون انتباهنا. يجب أن يكونوا في الوسط، ولماذا؟ هل لأنّهم متكبّرون؟ لا! وإنّما لأنّهم بحاجة للشّعور بالحماية. من الضروريّ لنا أيضًا أن نضع يسوع محورًا لحياتنا ونعرف، وإن قد يبدو تناقضاً، أنّه لدينا مسؤوليّة حمايته. يريد أن يكون بين ذراعينا ويرغب بأن نعتني به وأن يحدق نظره في نظرنا.
وبالتالي علينا أن نجعل يسوع يبتسم لنظهر له محبّتنا وفرحنا بأنّه في وسطنا. الإبتسامة هي علامة المحبّة التي تعطينا اليقين بأنّنا محبوبون.
وأخيرًا إنّ الأولاد يحبّون اللّعب. ولكن أن نُلاعب طفلاً يعني أن نتخلّى عن منطقنا لندخل في منطقه. إن أردناه أن يتسلّى من الأهميّة بمكان أن نفهم ما هو الشيء الذي يعجبه، ولا أن نكون أنانيين ونجعله يقوم بالأمور التي تعجبنا. وهذا تعليم لنا.
أمام يسوع نحن مدعوّون للتخلّي عن إدعائنا بالاستقلاليّة – وهنا تكمن المشكلة: إدعائنا بالاستقلاليّة – ، لنقبل الحريّة الحقيقيّة التي تقوم على أن نعرف من هو الذي أمامنا وأن نخدمه.
هو الطفل ابن الله الذي يأتي ليخلّصنا. لقد جاء بيننا ليُظهر لنا وجه الآب الغنيّ بالمحبّة والرّحمة.
لنضمّ إذًا الطفل يسوع بين ذراعينا ولنضع أنفسنا في خدمته: هو ينبوع الحبّ والطمأنينة. وسيكون أمرٌ جميل اليوم، عندما نرجع إلى بيوتنا أن نقترب من المغارة ونقبّل الطفل يسوع ونقول له: "يا يسوع، أريد أن أكون متواضعًا مثلك، متواضعًا مثل الله" ونطلب منه هذه النعمة.
إذاعة الفاتيكان.