الصيد العجيب
إنجيل يوحنّا واضح بأنَّه انتهى مع الفصل 20، وها نحن اليوم أمام الفصل 21 والمُعتبر على أنَّه ملحق، وبالتالي إضافة. ومع ذلك فهو مُعترف عليه على أنَّه جزء من إنجيل يوحنَّا.
والبعض يرى فيه ملخصًا، إعادة للأناجيل الأربعة، استحضارًا لحياة المسيحيّ بعد القيامة، للمسيحيّ المُرسل للرِّسالة. فلنقرأ النصَّ عن كثب ولنرى ما يقوله لنا. ذهب سمعان بطرس للصيد مع بعض التلاميذ، في سفينته، السفينة التي منها أعطى يسوع لبطرس، ثلاث سنوات مضت، الأمر برمي الشباك (لو 5، 1 - 11).
بعد موت وقيامة يسوع، عاد بطرس إلى الجليل، بلده، متبعًا الأمر الذي تحدّث عنه يسوع في إنجيل متى (28، 7). لقد عاد مجدَّدًا لمهنته صيادًا، لحياته السابقة، لحياته اليوميَّة الروتينيَّة، مع رفاق جدد. لا شيء، ظاهريًا، تغيّر.
كما قد يحدث في بعض الأحيان، الليل كان طويلاً وفاشلاً. لقد تعبوا الليل بأكمله، دون أن يصطادوا شيئًا. وفجأة يأتي شخص ويطلب منهم سمكًا. ليس لديهم سمك. هذا الشَّخص ينصحهم بأن يرموا من جديد الشبكة.
لماذا قبول هذا التعب؟ ومع ذلك أطاعوا النداء، أمر هذا الإنسان المجهول. وهنا بدأت عيونهم تنفتح. وسرعان ما أصبحت الشبكة ثقيلة، ثقيلة جدًا، ومليئة بالسَّمك. والتلميذ الذي أحبَّه يسوع، الأكثر انفتاحًا على الصعيد الرُّوحي، يتذكَّر الصيد العجيب الذي حدث بأمر من يسوع في السَّابق، ينظر إلى هذا الشخص الغارق في نور النهار؛ فيقول مباشرة لبطرس «إنَّه الرَّبّ».
يرجع الجميع بسرعة إلى الشاطئ، وهم متردِّدون، لكنَّهم يتعرَّفون على يسوع بسبب عطائه لهم الخبز، كما في العشاء الأخير، كما في لقاءه مع تلميذيّ عمّاوس. إنَّها المرّة الثالثة التي يظهر فيها يسوع هكذا لتلاميذه، يقول الإنجيليّ.
فهل يجب أن يتكرَّر هذا الأمر إلى ما لا نهاية، لقاء يسوع القائم من بين الأموات، وفرح التعرُّف عليه، ثمَّ العودة إلى الحياة العادية المألوفة، البدء الأبديّ، مع، من وقت لآخر، عودة للنُّور؟ هل هذا ما نبحث عنه نحن، بعض الانقشاعات في حياتنا، لكن دون أن يتغيّر أي شيء فينا؟
الإنجيليّ يتابع الرواية ليفهمنا كيف، تحت ظاهرة الاستمراريَّة الصافية، تحوَّل بطرس جذريًا من خلال أحداث الآلام والقيامة وظهورات المسيح القائم من بين الأموات. والحوار الذي تمَّ بين يسوع وبطرس مؤثّر جدًّا: «يا سمعان بن يونا، أتحبُّني أكثر ممَّا يحبُّني هؤلاء؟».
في السَّابق كان بطرس يميل للثقة وللإيمان بذاته، بقواه الشخصيَّة، وأن يكون في المركز الأوَّل، وأن يقوم بإعلانات متهوِّرة (يو 13، 37؛ متى 26، 33؛ مر 14، 29 – 31؛ لو 22، 23). أتحبُّني أكثر من التلاميذ الآخرين؟ هل أنت الأوّل في الحبّ، الأكبر؟ يعترف بطرس الآن بضعفه.
يعرف ما عليه تجاه يسوع، يعرف بأنَّ يسوع يعلم بأنَّه يحبُّه ولكن يفضِّل أن يترك له الحكم. «يا ربّ، أنت تعلم أنّي أحبُّك حبًّا شديدًا». ويسوع يطرح السؤال ثانية، وبطرس يُعطي الجواب عينه. وفي المرَّة الثالثة، يتذكَّر بطرس نكرانه المثلث. هذه الذكرى لخيانة مَن أحبَّه تُحزنه بالعمق.
ولكنَّه لم ينغلق في الامتعاض والشعور بالذنب لجبنه، بل يعترف بهشاشته، مع ثقته الكاملة بيسوع وبمغفرته، وأن يسوع يعرف حبَّه كإنسان خاطئ «يا ربّ، أنت تعلم كلَّ شيء، أنت تعلم أنّي أحبُّك حبًّا شديدًا».
ولكن إلى هذا الشّخص يسلّم يسوع الرِّسالة ليرعى خرافه، لمن يضع حبًا، خطواته بخطوات الرَّاعي الصَّالح، والذي سيكون جاهزًا، عندما يأتي الوقت، لأن يبذل نفسه. «ارعَ خرافي» - «فإذا شخت بسطتَ يديك، وشدَّ غيرُك لك الزنار، ومضى بك إلى حيث لا تشاء». ليس بطرس من يؤكّد ذلك، إنَّما يسوع الذي يرى فيه من يستقبل القوَّة لاتباعه «اتبعني».
كتاب أعمال الرُّسل يبيِّن لنا الضمان الذي وصل إليه بطرس والتلاميذ الآخرين، بعد أن استقبلوا في العنصرة قوَّة الرُّوح القدس. القراءة الأولى تروي الشهادة التي أُعطيت أمام المجلس الذي يتهمهم وينهيهم عن التعليم ويهدِّدهم. «الله أحقُّ بالطاعة من الناس. إنّ إله آبائنا أقام يسوع الذي قتلتموه إذ علقتموه على خشبة، ونحن شهود على هذه الأمور».
يمكننا أن نقرأ هذه النصوص ونحن نرى بطرس ليس فقط من سيكون راعي الكنيسة، بل أيضًا نموذج الإنسان المؤمن الذي، بالرُّغم من عيشه لحياته الطبيعيَّة في أغلب الأحيان، يترك نفسه يتحوَّل بسرِّ الفصح، سرِّ الموت والقيامة، ويستقبل من يسوع، من طريق الكنيسة، رسالته ليشهد لما تأمّله ولقوَّة حمل هذه الشَّهادة بكلِّ طمأنينة.
الأب رامي الياس اليسوعي