يلفّ احتفالنا بزمن الفصح المجيد الكثير من المفارقات التي نعيشها ونتأمّلها ونصلّي من خلالها. تتعارض هذه المفارقات مع نفسها أحيانًا، بينما تبقى حقيقيّة في الوقت نفسه. قد تنعكس هذه المفارقات على طريقة تفكيرنا، قد تكون خدّاعة أو مُشتّتة، لكن هذه الديناميّة هي الّتي تقودنا إلى إيمانٍ أعمق.
إنّ من يُحسن أن يتعامل مع هذه المفارقات والمتناقضات الّتي تقوم عليها حياتنا، وحده يستطيع أن يعرف النجاح، لأنّ ما لا يمكننا فهمه على الاطلاق، هو حتميّة هذه الديناميّة في حياة البشريّة، الّتي تضعنا أمام سرّ القيامة الّذي يجمع بين أكبر متناقضين (الموت - الحياة) ويجسّد في الوقت عينه نجاح المخطّط الإلهيّ لخلاص البشريّة.
نختبر خلال مسيرتنا في زمن الصّوم مع المسيح تناقض الفرح والحزن معه. ويعكس تداخل فصلي الشتاء والرّبيع ما نختبره داخليًّا على الصّعيد الروحيّ. لكن حقيقة واحدة لا تقبل التناقضات، هو أنّ حبّ الله لنا ثابتٌ ولا نقيض له مهما اختبرنا روحيًّا في صلواتنا وأصوامنا. وأفضل الاستراتيجيّات لعيش التناقضات في حياتنا، هي مواجهتها عوضًا عن إيجاد التبريرات لها، تمامًا كما فعل توما.
إنّ ما يقدّمه إلينا إنجيل يوحنّا (20/ 19-31) من خلال قصّة توما لهو مثالٌ قويٌّ لعيش المفارقات. لقد كان توما صاحب إيمانٍ عميق بيسوع، ومع ذلك فقد عانى في إيمانه بحقيقة قيامته، ونعرف أنّ توما جسّد تناقضي الإيمان والشكّ. عادةً ما نقول أنّ ما نراه هو ما نؤمن به، لكن في كثير من الأحيان، وبكلّ بساطة، إنّ ما نراه هو فقط ما نراه. يقول يسوع لتوما: "هل آمنت بي لأنّك رأيت؟ طوبى لمن آمن ولم يرَ".
نعرف جميعًا قصّة توما هذه، وقد عُرف على أنّه توما الشكّاك. لكن إن تعمّقنا في شكّ توما، سيزخر إعجابنا بهذا الرّسول. فلطالما يساعدنا موقفه في لحظات شكّنا. واليوم نحن شاكرين لموقف الشكّ الشّجاع الّذي اتّخذه، وعندما قرّر أن يُفصح عنه علانية ً وبعفويّة عكس باقي التلاميذ.
فمن الصّعب أن تكون وحيدًا تُجاه رأيٍ ما في وسط جماعة لا ترى ذلك، أو لا تجرؤ على ذلك. لقد كان توما صادقـًا تُجاه ذاته، وتُجاه شكّه. لقد عايش توتّر التناقضات، بينما كان واثقـًا من حبّه ليسوع، لكنّه كان يُعاني من حقيقة موت يسوع، ولم يكن واثقـًا من قدرته على الإيمان بقيامة صديقه. هذا ما يعني أنّه لم يكن يحاول عدم التصديق، لكنّه كان يُصارع من أجله، إنّه ببساطة صادق وشفاف.
وبما أنّ توما كان التلميذ الوحيد الّذي لم يرَ يسوع في العليّة المرّة السّابقة، سأل توما يسوع السؤال الأصعب، السؤال الأجرأ. إنّه توما الشّجاع، وليس توما الشكّاك. لربما عاد يسوع مرّةً أُخرى لأنّه استفقد هذه الشجاعة بين تلاميذه، استفقد الصّدق والعفويّة والشفافيّة، إذ هي أُسس أي علاقة تقوم على الحبّ.
والآن، إذا كانت تدفعني شجاعة توما لأعيش التناقضات في حياتي وأوجهّها بدل أن أبرّرها بطريقة عمياء، وإن كنت على مثال توما لا أشكّ في محبّة الله غير المحدودة بالنسبة لي. هل لي أن أطرح على نفسي هذه التساؤلات المتناقضة: كم مرّة أسأل الله آيةً أو إشارةً؟ عن أي إشارة لحبّه أبحث وأنتظر في حياتي؟ كيف لي أن أتبنّى شكّي وإيماني لأعمّق علاقتي مع إلهي؟ كيف لي أن أكون مساندًا لأولئك الّذي يختبرون الشكّ في إيمانهم؟
الأب رامي الياس اليسوعي.