"ليعطنا الرّب ذكرى مجّانيّة الخلاص وقرب الله وأعمال الرَّحمة الملموسة التي يريدها منّا أكانت جسديّة أو روحيّة؛ فنصبح هكذا أشخاصًا يساعدون على فتح الأبواب لنا وللآخرين" هذه هي الصَّلاة التي رفعها قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الخميس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان.
استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقـًا من إنجيل القدِّيس لوقا (11/ 47 -54) والذي يوبّخ من خلاله يسوع علماء الشّريعة والكتبة والفريسيِّين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أبرارًا فيما قَدِ استَولَوا عَلى مِفتاحِ المَعرِفَة، ولَم يدخُلوا، ومنعوا الَّذينَ أَرادوا الدُّخولَ. وهذا الاستيلاء على القدرة على فهم وحي الله وقلبه وخلاصه – أي مفتاح المعرفة – هو، يمكننا القول، إهمال وتهاون خطير لأنّه يُنسينا مجانيّة الخلاص وقرب الله ورحمته؛ والذين نسوا مجانيّة الخلاص وقرب الله ورحمته قَدِ استَولَوا عَلى مِفتاحِ المَعرِفَة.
لقد نسوا المجانيّة، أي مبادرة الله ليخلّصنا، ووقفوا في صف الشّريعة، وبالتالي فخلاص الله، بالنسبة لهم، هو في "كومة قوانين" ولكنّهم بهذه الطريقة لا ينالون قوّة عدالة الله. بَيد أنّ الشّريعة هي على الدوام الجواب على محبّة الله المجانيّة، والمبادرة التي قام بها ليخلّصنا؛ وعندما ننسى مجانيّة الخلاص هذه نسقط، ونفقد مفتاح حكمة تاريخ الخلاص ونفقد معنى قرب الله.
بالنسبة لهم، الله هو الذي وضع الشّريعة ولكن هذا ليس إله الوحي، لأنَّ إله الوحي هو الإله الذي بدأ بالسير معنا، بدء من إبراهيم وصولاً إلى يسوع المسيح، إنّه الله الذي يسير مع شعبه، وعندما نفقد علاقة القرب هذه مع الرب، نسقط في هذه الذهنيّة المُغلقة التي تؤمن بالاكتفاء الذاتي للخلاص من خلال إتمام الشريعة. وبالتالي عندما يغيب قرب الله والصّلاة لا يمكننا أن نعلّم العقيدة أو اللاهوت لأنّ اللاهوت يُدّرس من خلال القرب من الله، وقرب الله قد بلغ ذروته في يسوع المسيح المصلوب إذ أنّنا تبرّرنا بدم المسيح كما يقول القدّيس بولس.
لذلك تشكّل أعمال الرّحمة المقياس لتمام الشّريعة لأنّنا من خلالها نلمس جسد المسيح، نلمس المسيح الذي يتألّم في شخص ما، إن كان بشكلٍ جسديّ أو روحي.
وحذّر الأب الأقدس في هذا السياق من واقع أنّنا عندما نضيّع مفتاح المعرفة نصل إلى الفساد، وتوقّف عند مسؤوليّة الرّعاة في الكنيسة اليوم عندما يستولون على مفتاح المعرفة أو يضيّعونه ويغلقون الأبواب على أنفسهم وعلى الآخرين.
أضاف الحبر الأعظم يقول لقد سمعت مرّات عديدة أنّ هناك العديد من كهنة الرعايا في بلادي لا يمنحون سرّ المعموديّة لبعض الأطفال لأنّهم لم يولدوا من زواج قانوني، وكانوا يغلقون الأبواب ويسبّبون حجر عثرة لشعب الله؛ ولماذا؟ لأنّ قلوب هؤلاء الكهنة فد أضاعت مفتاح المعرفة. ومنذ بضعة أشهر أيضًا سمعت عن أمٍّ أرادت أن تعمّد ابنها ولكنّها كانت متزوجّة زواجًا مدنيًا من رجل مطلّق، فقال لها كاهن الرعيّة: "سأعمّد الطفل لكن زوجك المطلّق لا يمكنه المشاركة في الاحتفال"؛ هذا الأمر يحدث اليوم وبالتالي فالفريسيون وعلماء الشريعة لم يكونوا موجودين في تلك المرحلة وحسب بل هم موجودون اليوم أيضًا وهم كثيرون. لذلك، من الضروري أن نصلّي من أجل رعاتنا ولكي لا نفقد مفتاح المعرفة ونغلق الباب على أنفسنا وعلى الأشخاص الذين يريدون الدخول.
إذاعة الفاتيكان.