أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامّة مع المؤمنين في قاعة بولس السّادس بالفاتيكان واستهلّ تعليمه الأسبوعيّ بالقول نبدأ اليوم سلسلة تعاليم جديدة حول موضوع الرّجاء المسيحيّ.
إنّه مهمّ جدًّا لأنّ الرّجاء لا يخيّب أبدًا. التفاؤل يُخيّب أمّا الرّجاء فلا! ونحن بأمسّ الحاجة إليه في هذه الأزمنة التي تبدو مُظلمة والتي نشعر فيها أحيانًا أنّنا ضائعون أمام الشرّ والعنف اللذين يحيطان بنا، وإزاء ألم العديد من إخوتنا. نشعر أنّنا ضائعون وأنّنا قد فقدنا العزيمة بعض الشّيء لأنّنا نجد أنفسنا عاجزين ويبدو لنا أنّ هذا الظّلام لن ينتهي أبدًا.
لكن لا ينبغي أن نسمح للرّجاء أن يتركنا، لأنّ الله بمحبّته يسير معنا. "أنا أرجو لأنّ الله بقربي" هذا القول يمكننا أن نقوله جميعنا، يمكن لكلّ فردٍ منّا أن يقول: "أنا أرجو ولديّ رجاء لأنّ الله يسير معي" يسير معي ويمسكني بيدي. الله لا يتركنا وحدنا والربّ يسوع قد تغلّب على الشرّ وفتح لنا درب الحياة.
لذا لاسيّما في زمن المجيء هذا، الذي هو زمن الإنتظار الذي نستعدُّ من خلاله لنقبل مرّة أخرى سرّ التجسّد المعزّي ونور الميلاد، من الأهميّة أن نتأمّل حول الرّجاء. لنصغِ إذًا إلى كلمات الكتاب المقدّس بدءًا من النبيّ أشعيا، نبي زمن المجيء الكبير ورسول الرّجاء الكبير.
في القسم الثاني من كتابه، يتوجّه أشعيا إلى الشّعب بإعلان تعزية: "عَزُّوا عَزُّوا شَعبي – يَقولُ إِلهُكم، خاطِبوا قَلبَ أُورَشَليم ونادوها بأَن قد تَمَّ تجَنُّدُها وكُفِّر إِثمُها... صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ واجعلوا سُبُلَ إِلهِنا في الصَّحراءِ قَويمة. كُلُّ وادٍ يَرتَفعِ، وكُلُّ جَبَلٍ وتَلٍّ يَنخَفِض والمُنعَرِجُ يُقَوَّم ووَعرُ الطَّريقِ يَصيرُ سَهلاَّ ويَتَجَلَّى مَجدُ الرَبِّ ويُعايِنُه كُلُّ بَشَر لأنَّ فَمَ الرَّبِّ قد تَكَلَّم" (أشعيا ٤٠، ۱- ۲. ۳- ٥). إنّ الله الآب يعزّي من خلال إقامة مُعزّين يطلب منهم أن يُشجّعوا الشعب، أبناءه، ويعلنوا لهم أنّ الإضطهاد قد انتهى وأنّ الألم قد انتهى والخطيئة قد غُفرت. هذا ما يشفي القلب البائس والخائف. لذلك يطلب النبيّ أن نُعِدَّ طريق الربّ وننفتح على عطاياه وعلى خلاصه.
تبدأ التّعزية، بالنسبة للشّعب، بإمكانيّة السّير على درب الله، درب جديدة قويمة وسالكة، درب تُعَدُّ في الصّحراء فيتمُّ هكذا عبورها للوصول إلى الوطن. لأنّ الشّعب الذي يتوجّه إليه النبيّ كان يعيش مأساة السّبي إلى بابل، ولكنّه يسمع من يقول له الآن أنّه بإمكانه أن يعود إلى أرضه من خلال درب جُعلت مريحةً وواسعةً بدون أودية وجبال تجعل المسيرة مُتعبة، درب قويمة في الصّحراء. إنّ إعداد تلك الطريق يعني إذًا إعداد درب خلاص وتحرُّر من كلّ عائق وعقبة.
لقد شكّل السّبي مرحلة مأساويّة في تاريخ إسرائيل، عندما فقد الشّعب كلّ شيء. كان الشّعب قد فقدَ الوطن والحريّة والكرامة وحتى الثّقة بالله. لقد كان يشعر بأنّه متروك وبدون رجاء. ولكنَّ هوذا نداء النبيّ يفتح مجدّدًا القلب على الإيمان.
الصّحراء هي مكان يصعب العيش فيه، ولكن هناك بالتّحديد سيصبح السّير ممكنًا من أجل العودة ليس إلى الوطن وحسب وإنّما إلى الله أيضًا وإلى الرّجاء والإبتسامة. عندما نكون في الظّلام أو في الصّعوبات لا يمكننا أن نبتسم، لكنّ الرّجاء هو الذي يعلّمنا الإبتسامة كي نجد الدّرب الذي يقود إلى الله. أحد أوّل الأمور التي تحصل للأشخاص الذين يبتعدون عن الله هو أنّهم يفقدون الإبتسامة. ربّما قد يضحكون ويخبرون نُكتةً ويضحكون مجدّدًا... ولكن تنقصهم الإبتسامة! وحده الرّجاء يعطينا الإبتسامة: إنّها ابتسامة الرّجاء بلقاء الله.
غالبًا ما تكون الحياة صحراء ويصعب السّير في داخلها، ولكن إن اتكّلنا على الله يمكنها أن تصبح جميلة وواسعة كالأوتوستراد. يكفي ألاّ نفقد الرّجاء أبدًا، يكفي أن نستمرّ في الإيمان على الدّوام وبالرغم من كلّ شيء. عندما نجد أنفسنا أمام طفل ما، ربّما قد يكون لدينا مشاكل وصعوبات كثيرة ولكنّنا لا يمكننا أن نمتنع عن الإبتسامة لأنّنا نقف أمام الرّجاء: الطّفل هو رجاء! وهكذا ينبغي علينا أن نتعلّم أن نرى في حياتنا مسيرة الرّجاء التي تحمّلنا للقاء الله، الله الذي صار طفلاً لأجلنا، والذي سيجعلنا نبتسم وسيعطينا كلّ شيء.
إنّ كلمات أشعيا هذه يستعملها يوحنّا المعمدان في بشارته التي كانت تدعو إلى الإرتداد، وكان يقول: "صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَريقَ الرَّبّ واجعَلوا سُبُلَه قويمة" (متى ۳، ۳). إنّه صوت يصرخ حيث يبدو أنّه لا يمكن لأحد سماعه – ولكن من يمكنه أن يسمع في البرّيّة؟ - يصرخ في الضّياع النّاتج عن أزمة الإيمان.
لا يمكننا أن ننكر أن عالم اليوم يعيش أزمة إيمان. هناك من يقول "أنا أؤمن بالله وأنا مسيحيّ" – أو "أنا من تلك الدّيانة..." – ولكنّ حياتك بعيدة كلّ البعد عن الله وعن كونك مسيحيّ! لقد تحوّل الإيمان والدّين إلى مجرّد عبارة "أنا أؤمن، نعم!" ولكن الأمر يتعلّق هنا بالعودة إلى الله، بارتداد القلب إلى الله والسّير على الدّرب الذي يقودنا للقائه. وهو ينتظرنا هناك. لقد كانت هذه بشارة يوحنّا المعمدان: إستعدّوا للقاء هذا الطّفل الذي سيعيد الإبتسامة إلينا.
عندما أعلن يوحنّا المعمدان عن مجيء يسوع كان الإسرائيليّون كما ولو أنّهم في المنفى لأنّهم كانوا تحت الحكم الرومانيّ الذي يجعلهم غرباء في وطنهم، يحكمهم محتلّون أقوياء يقرّرون مصيرهم. لكنّ التّاريخ الحقيقيّ ليس التّاريخ الذي يصنعه المقتدرون وإنّما الذي يصنعه الله مع صغاره.
التّاريخ الحقيقيّ – ذلك الذي سيبقى إلى الأبد – هو التّاريخ الذي يكتبه الله مع صغاره: الله مع مريم، الله مع يسوع، الله مع يوسف، الله مع الصّغار. أولئك الصّغار والبسطاء الذين نجدهم حول يسوع الذي يولد: زكريّا وأليصابات، مسنّان طبعهما العُقم؛ مريم شابّة عذراء مخطوبة ليوسف؛ الرّعاة الذين كانوا مرذولين ولا يتمّ اعتبارهم. إنّهم الصّغار الذين أصبحوا عظماء بفضل إيمانهم، الصّغار الذين يعرفون كيف يستمرّون في الرّجاء.
إن الرّجاء هو فضيلة الصّغار، لأنّ الكبار والمكتفون لا يعرفون الرّجاء.
الصِّغار مع الله ومع يسوع، هم الذين يحوِّلون صحراء المنفى والوحدة البائسة والألم إلى درب قويمة نسير عليها للذّهاب للقاء مجد الربّ. لنسمح إذًا للرّجاء بأن يُعلِّمَنا ولننتظر بثقة مجيء الربّ وأيَّما كانت صحراء حياتنا – لأنّ كلٌّ منّا يعرف الصَّحراء التي يسير فيها – فستصبح حديقة مُزهرة.، لأن الرَّجاء لا يُخيِّب!
إذاعة الفاتيكان.