الدعوة المسيحيّة المشتركة

متفرقات

الدعوة المسيحيّة المشتركة

 

 

 

 

 

الدعوة المسيحيّة المشتركة

 

 

1. نحيي في هذا الأحد عيد الرّسل الإثنَيّ عشر الذين اختارهم الرَّبُّ يسوع ودعاهم وجعلهم أعمدة الكنيسة. سلّمهم سلطانًا إلهيًّا ليمارسوه باسمه وبشخصه. وأرسلهم لمواصلة رسالته للخلاص الشّامل نفسًا وروحًا وجسدًا. هذا ما أكّده القدّيس متى في إنجيل اليوم: "دعا يسوع رسله الاثنَي عشر، فأعطاهم سلطانًا للشّفاء، وأرسلهم لإعلان ملكوت السَّماوات" (متى10: 1 و5 و7).

 

2. يُسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيّا الإلهيّة، وبها نختتم قدّاسات الأحد في هذا الكرسيّ البطريركيّ لأنّنا ننتقل في هذا الأسبوع إلى كرسيّ الدِّيمان لقضاء ثلاثة أشهر مع أبناء الأبرشيَّة البطريركيَّة في نيابة الجبّة. هذه الليتورجيّة اليوم،  تذكّرنا بأنّنا كلّنا "مدعوّون" بحكم المعموديّة والميرون، وبعضًا بحكم الرِّباط الزوجيّ، وبعضًا بدرجة الكهنوت والأسقفيّة، والبعضَ الآخر بحكم النذور الرُّهبانيّة، وأنّنا كلّنا أعضاء في كنيسة المسيح، التي تسمّى، من حيث اللّفظة والواقع، "جماعة المدعوّين".

 

3. إنّني، إذ أحيِّيكم جميعًا، أرحِّب معكم بالرَّئيس الجديد للمدرسة الإكليريكيَّة المونسنيور جورج أبي سعد الذي مع عدد من المسؤولين ينشِّئون كهنة الغد، نرافقهم بصلاتنا في عملهم الخطير هذا. كما أنّنا نرحِّب بوفد الكهنة الآتين من بلد عزيز علينا بولونيا، من أبرشيَّة بوسنام، الذين يقصدون لبنان من أجل التأمّل والسَّير على خطى القدِّيسين اللبنانيِّين وهم يحملون تراث البابا القدِّيس العظيم يوحنّا بولس الثاني.

 

نصلّي إلى الله كي يمنح كلّ واحد وواحدة منّا نعمة الأمانة لدعوة حالته. وهي الدّعوة المسيحيّة المشتركة بين الجميع التي تقتضي تقديس الذات بكلمة الإنجيل ونعمة الأسرار وفعل الرُّوح القدس؛ والشَّهادة ليسوع المسيح في القول والفعل والمبادرات.

 

وهي الدّعوة لإنشاء جماعة حياة وحبّ في الحياة الزوجيّة والعائليّة. وتقتضي عيش الحبّ في الحياة الزوجيّة، ونقل الحياة البشريّة وتربيتها، وتكوين خليّة حيّة للمجتمع، ومدرسة طبيعيّة للقيم الأخلاقيّة والإنسانيّة والاجتماعيّة، وكنيسة بيتيّة تنقل الإيمان وتعلِّم الصّلاة.

 

وهي الدّعوة إلى الكهنوت والأسقفيّة التي تجعل المرتسم في كيانه الداخليّ على صورة يسوع المسيح الكاهن الأسمى. وتقتضي منه الالتزام الدّائم بالكرازة بالإنجيل والتعليم، لتعزيز الإيمان ونموّه، وخدمة الأسرار لتقديس النفوس، وتدبير الجماعة المسيحيّة بشريعة الحقيقة والمحبّة.

 

وهي الدّعوة إلى اتبّاع خطى المسيح بالنذور الرُّهبانيّة. وتقتضي وقف الذات على الله والكنيسة، وخدمة المحبّة لجميع الناس، والشّهادة ليسوع المسيح في كلّ حالات حياته الزمنيّة، إمّا متأمّلًا ومصلِّيًا، وإمّا شافيًا المرضى، وإمّا معلِّمًا الجموع.

 

4. دعا يسوع رسله "وأعطاهم سلطانًا مزدوجًا: طرد الأرواح الشِّريرة، وشفاء الشّعب من مرضه وعلله (الآية 1). هذا السّلطان يشمل كلّ ما يعاني منه النّاس في أجسادهم وأرواحهم ونفوسهم. وأسّسَ الربّ لهذه الغاية سرَّي الشّفاء، وهما سرّ التوبة للشِّفاء من الخطايا، وسرّ مسحة المرضى لشفاء النفس والجسد. واتّسعت خدمة الكنيسة الشّافية بإنشاء مؤسّسات إجتماعيّة: المدارس والجامعات للشّفاء من الأمّية، والمستشفيات والمستوصفات للشّفاء من الأمراض والأوجاع، ودور المُسنّين واليتامى والمعوّقين وذوي الاحتياجات الخاصّة لشفائهم من الوحشة والإعاقة والإهمال. وكما أنّ شفاء الجسد وشفاء النّفس يُعيد إليهما حالة جديدة كأنّها ولادة من جديد، كذلك عمل المؤسّسات يُعطي علومًا وتربية، وصحّةً، وفرحًا وعزاءً وطاقاتٍ ومهارة وقدرات.

 

5. وأرسلهم يسوع لينادوا ويقولوا: "لقد اقترب ملكوت السّماوات". إنّ ملكوت السّماوات هو دخول الله في حياة الإنسان، والإنسان في حياة الله، أي الإتّحاد بين الله والإنسان. وقد أكّد الرَّبّ يسوع قائلًا أن "ملكوت الله في داخلكم" (لو17: 21). فهو ملكوت النعمة والقداسة. ملكوت المحبّة والأخوّة. ملكوت العدالة والحريَّة. ملكوت الحقيقة والسَّلام. إنطلاقًا من هذا الإتّحاد بالله، ومن هذه القيم في داخل الإنسان، تبدأ رسالة بناء ملكوت الله في المجتمع البشريّ.

 

6. ليس ملكوت الله محصورًا فقط بالمؤمنين الملتزمين، بل هو واجبٌ أساس على الجماعة السياسيّة المسؤولة عن توفير العدالة والاستقرار والسَّلام، وعن ترقِّي الشّخص البشريّ والمجتمع ونموّهما الشّامل. وهذا واجب ضميري خطير سيحاسب الله عليه المسؤولين السياسيّين، لكونهم مؤتمنين على توفير الخير العامّ، الذي منه خير كلّ شخص وخير الجميع.

 

7. في إطار هذه المسؤوليّة العامّة نطالب الحكّام عندنا بإداء هذا الواجب الذي يكبر ويتشعّب بتفاقم الأزمات الاقتصاديّة والمعيشيّة والاجتماعيّة والأمنيّة، بسبب المليونَي نازح ولاجئ المضافين إلى سكّان لبنان الأربعة ملايين، وبسبب تعاظم الدَّين العام، وعجز الخزينة، وتبديد المال العام بالفساد والسَّرقة.

 

ونطالب حكّام الدول في الأسرتَين العربيّة والدوليّة بواجب إيقاف الحروب في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وسواها، وإيجاد حلول سياسيّة للنزاعات على أساس من العدالة والإنصاف، وتوطيد السَّلام العادل والشامل والدَّائم. ونطالبهم بالعمل الجدِّي على عودة جميع المهجَّرين والنازحين واللّاجئين والمخطوفين إلى أوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم ومساعدتهم على إعادة إعمارها، حفاظًا على حقوقهم كمواطنين وعلى ثقافاتهم وحضاراتهم.

 

8. ببناء ملكوت الله في داخلنا، وفي عائلاتنا ومجتمعاتنا وأوطاننا، يتمّ مجد الله، الذي نرفعه صلاةً من قلوبنا للآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

 

 

 

 

 

 

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي - بكركي