"ينبغي علينا أن نتنبّه من علماء الشريعة لأنّهم يقلّصون آفاق الله ويجعلون حبّه صغيرًا" هذه هي إحدى الأفكار التي تحدّث عنها قداسة البابا فرنسيس مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان في عظته التي تمحورت حول وصيّة المحبّة وتجربة أن نصبح رُقباء للخلاص.
قال البابا فرنسيس إنّ أحد الأمور التي يصعب فهمها، بالنسبة لنا نحن المسيحيّين، هو مجانيّة الخلاص بيسوع المسيح. إستهلّ الأب الأقدس عظته إنطلاقـًا من كلمات القدّيس بولس إلى أهل رومة (3/ 21-30) في القراءة الأولى التي تقدّمها لنا الليتورجيّة في محاولته ليشرح لرجال زمنه عن مجانيّة الخلاص وقال لقد اعتدنا على سماع أن يسوع هو ابن الله الذي جاء إلينا محبّة ً بنا ليخلّصنا ومات لأجلنا. لقد سمعنا هذا الأمر مرّات عديدة وأصبح اعتياديًّا بالنسبة إلينا. لكن عندما ندخل في سرّ الله، سرّ هذا الحبّ الذي لا يعرف الحدود نبقى مدهوشين ونفضّل أحيانًا ألّا نفهمه.
أن نفعل ما يقوله لنا يسوع هو أمر جيّد وينبغي فعله، وهذا هو جوابنا على الخلاص المجانيّ الذي يأتي من محبّة الله المجانيّة. ويسوع يبدو غاضبًا بعض الشيء من عُلماء الشريعة لأنّه يقول لهم أشياء قاسية: "لقد استَولَيتُم على مِفتاحِ المَعرِفة، فلم تَدخُلوا أَنتُم، والَّذينَ أَرادوا الدُّخولَ مَنَعتُموهم لأنّكم استوليتم على المفتاح" وهذا المفتاح هو مفتاح مجانيّة الخلاص.
لقد كان علماء الشريعة هؤلاء يعتقدون أن الخلاص يقوم بالحفاظ على جميع الوصايا، ومن لا يحفظها يُدان، وبهذه الطريقة كانوا يقلّصون آفاق الله ويجعلون حبّه صغيرًا جدًا على قياس كلّ منهم. وهذا هو الكفاح الذي كان يسوع وبطرس يحاولان أن يقوما به للدفاع عن العقيدة.
بالطبع هناك الوصايا، لكن تلخيصها كلّها هو محبّة الله والقريب، وبموقف المحبّة هذا نكون أهلاً لمجانيّة الخلاص لأنّ الحبّ مجانيّ. فإن قلتُ للشخص الآخر أنني أحبّه ولكنّني وراء هذا القول أخفي مصلحة شخصيّة فهذا ليس حبًّا بل تحقيق مآرب شخصيّة. ولذلك يقول لنا يسوع: الحبّ الأعظم هو التالي: أَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ، وَكُلِّ نَفسِكَ، وَكُلِّ قُدرَتِكَ، وَكُلِّ فِكرِكَ، وَأَحبِب قَرِيبَكَ كَنَفسِكَ. إنّها الوصيّة الوحيدة التي تتماشى مع مجانيّة خلاص الله. وفي هذه الوصيّة نجد جميع الوصايا الأخرى لأنّ هذه الوصيّة تبحث عن خير الآخرين.
المصدر هو الحبّ والأفق هو الحبّ أيضًا، وإن أقفلتَ الباب واستوليتَ على المفتاح فأنت لا تستحق مجانيّة الخلاص الذي نلته. وهذا الكفاح للسيطرة على الخلاص – أي يخلص فقط الأشخاص الذين يقومون بما طلب منهم – لم ينتهِ مع يسوع وبولس.
تصادف هذه السنة الذكرى المئويّة الخامسة على ولادة القدّيسة تريزيا الأفيليّة التي نعيِّد لها اليوم. امرأة متصوّفة منحها الرّبّ نعمة فهم آفاق الحبّ وقد حكم عليها أيضًا علماء الشّريعة في زمنها، وكم من القدّيسين اضطُهدوا أيضًا لأجل دفاعهم عن الحبّ ومجانيّة الخلاص. قدّيسون كثيرون ومن بينهم القدّيسة جاندارك. هذا الكفاح لا ينتهي أبدًا لأنّنا نحمله في داخلنا وسيفيدنا أن نسأل أنفسنا: هل أؤمن أنّ الرّبّ خلّصني مجّانًا؟ هل أؤمن أنني أستحق الخلاص؟ وإن كنت أستحق شيئًا ما فهذا بواسطة يسوع المسيح وما فعله من أجلي؟
لنجعل هذه الأسئلة أسئلتنا، وهكذا فقط سنكون أمناء لهذا الحبّ الرّحيم: حبّ أب وأمّ، لأنّ الله يقول أنّه يتصرّف كأمّ معنا: بحبّ وآفاق كبيرة دون حدود وعوائق. فلا نسمحنَّ إذًا لعلماء الشّريعة بأن يخدعونا ويقلّصوا لنا آفاق هذا الحبّ.
إذاعة الفاتيكان.