في هذا الأحد من زمن العنصرة، الذي هو زمن الكنيسة، نحن أمام مظهر آخر من وجه الكنيسة. هو وجه التوبة لدى أبنائها وبناتها، كفعل حبّ كبير لله، وإيمان برحمته، وهو وجه الكنيسة المؤتمنة على الرَّحمة بمغفرة الخطايا، سلّمها إلى الكنيسة.
التوبة الصّادقة عن الخطايا، مع القصد بعدم الرُّجوع إليها، فعل حبّ كبير لله لدى التائب، ويقابله غفران الخطايا كفعل حبّ كبير أيضًا من الله. هذا ما أكّد يسوع لمضيفه سمعان الفرّيسي عن المرأة التائبة: "خطاياها الكثيرة مغفورة لها، لأنّها أحبّت كثيرًا" (لو 7: 47).
والتوبة فعل إيمان برحمة الله، القادر أن يغفر خطايا الإنسان عندما يُقبل إليه بروح التوبة. في الواقع قال لتلك المرأة: "مغفورة لكِ خطاياك...إيمانكِ أحياكِ، فاذهبي بسلام" (لو 7: 48 و50).
بالحقيقة يقرّ بخطاياه ويتوب عنها مَن يقرّ في قرارة نفسه أنّ حالته سيئة ومسيئة لله ولمحبّته، ثمّ يؤمن أنّ الله قادر برحمته الكبيرة ومحبّته، ليس فقط أن يغفر خطاياه، بل أن يُحييه بإعطائه حياة جديدة. وأخيرًا يعبّر عن توبته.
هذه المستلزمات الثلاثة توفّرت في تلك المرأة: أقرّت بحالتها السَّيئة بقدومها إلى بيت سمعان الفرّيسي حيث كان يسوع، من دون أي حياء، وهي "معروفة في تلك المدينة أنها خاطئة" (لو7/ 37)، آمنت برحمة يسوع، إذ جاءت بشجاعة إلى البيت حاملة قارورة طيب (لو7/ 38)؛ وعبّرت عن توبتها، فيما كانت تبكي، وتبلّ قدَمَي يسوع بدموعها، وتمسحهما بشعر رأسها، وتقبّل قدَمَيه، وتدهنهما بالطيب" (الآية 38).
في مَثَل المديونين الذي أعطاه يسوع لسمعان الفرّيسي، يشبّه الخطيئة بالدَّين، والخطايا بالديون. الترجمة اللاتينية للكتاب المقدّس تعتمد لفظة دين debitum وبالجمع debita عندما تتكلّم عن الخطيئة والخطايا.
الخطيئة دَين تجاه الله ككلّ دَين بين الناس، ومغفرة الخطايا مثل ترك الديون.
فلا يسامح إلّا الذي يحبّ، لشعوره بعجز المديون عن إيفاد دينه. العدالة تقتضي إيفاء الدين، وإلّا يُلقى المديون في السِّجن. وبما أنّ بني البشر لا يستطيعون إيفاء ديون خطاياهم، وهذا يستوجب عليهم عدالة الهلاك الأبديّ، افتداهم الله، بفيضٍ من حبّه، بشخص يسوع المسيح ابنه المتجسّد، الذي وفى بموته على الصّليب خطايا الجنس البشريّ. فيكفي أن يتوب توبة صادقة عن خطاياه ليترك له الله ديون خطاياه مهما كانت كبيرة.
أسّس المسيح الربّ سرّ التوبة من أجل هذه الغاية. بأُذُن الكاهن يسوع يسمع الله إقرار توبة الخاطئ، وبصوت الكاهن يمنحه الله الغفران، تمامًا كما قال يسوع للمرأة بفمه البشريّ: "مغفورةٌ لكِ خطاياكِ. إذهبي بسلام. إيمانكِ أحياكِ".
إنّ خدمة كلّ كاهن الأساسيّة ثلاثة مترابطة: إعلان كلام الله عبر الكرازة بالإنجيل، وإقامة الذبيحة الإلهية وتوزيع جسد الربّ ودمه، وممارسة سرّ المصالحة بسماع توبة الخطأة.
صلاة:
أيّها الربّ يسوع، إنّ رحمتك أكبر من خطيئة الإنسان بفضل حبِّك اللّامحدود للبشر. إفتحْ قلوبنا لمحبّتك، فنحبّك حبّ المرأة الخاطئة التي رجعت عن خطاياها المسيئة لله تائبةً نادمة، فبادلتَها فعل الحبّ بمغفرة خطاياها الكثيرة. لقد علّمتَنا أنت، وعلَّمتنا المرأةُ الخاطئة التائبة أنّ التوبة فعلُ حبٍّ كبير لله، وفعلُ إيمانٍ برحمته. أعطنا فرح الاستغفار والمغفرة، وسعادة التوبة والمصالحة. فنرفع من قلوب مُحبّة وتائبة على الدوام نشيد المجد والشكر للآب والابن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين.
التنشئة المسيحية - البطريرك الراعي
موقع بكركي