إنّ أسبوع الحوارييّن يتألّف من ثمانية أيّام تلي أحد الفصح إلى الأحد التّالي. إنّ الممارسة الدّينيّة موجودة في العهد القديم مع الإحتفال بعيد الأكواخ (اللاويّين 23-26) وقد أدخلها قسطنطين إلى الليتورجيّة الكاثوليكيّة.
نحتفل كلّ يوم خلال أسبوع الحواريّين بالقدّاس مع صلوات يوم الفصح وترانيمه. وهكذا يكون أسبوع الحواريّين بمثابة يوم أحد طويل يمتدّ على ثمانية أيّام، حيث كلّ يوم هو عيد الفصح.
تأمّلات ميشال هوبو، فرنسيسي
"إنّ كلّ عيد فصح هو مناسبة كي نتذكّر بأنّ القيامة ليست ما يجب أن يحدث بعد مماتنا، ولكنّها حقيقة جديدة تبدأ اليوم".
كلّ واحد منّا يصمّم، يومًا بعد يوم، وجهه الأبدي. مثل الفراشة الّتي تخرج من شرنقتها، يحتاج الإنسان إلى الوقت لكي يقوم، لكي يخرج من شرنقته الأرضيّة ويصبح من أبناء الله، أبناء النّور.
كان موريس زونديل غالبًا ما يتساءل كم من رجل وامرأة يخرجون بوعي من "الأنا" البيولوجيّة المصنوعة مسبقـًا ليصبحوا حقـًّا أحياء، أشخاصًا يتمتّعون بالحريّة ومسؤولين عن مصيرهم. ومن دون شكّ إنّ كلّ طاقاتهم الرّوحيّة ستنضج يومًا ما، ولكنّ الأرجح ليس على الأرض! وما من فائدة في تصوّر ما سنصبح بعد مماتنا، إن لم نبدأ منذ الآن، مع استقبال المسيح الفصحيّ، التحوّل إلى أحياء.
لنتذكّر أنّ في التقليد المسيحيّ وِلادتيْن. الأولى، وِلادة الجسد الّتي لم نخترها، ولكن قد اُعْطِيَتْ لنا. "ووِلادة ثانية"، الّتي يتكلّم عنها المسيح، حين يقول لنا يجب "أن نولد ولادة جديدة" عبر استقبال الرّوح القدس وتنميته.
إنّ القيامة انتصار يومي على قوى الموت. الآخرة هي حقيقة موجودة في داخلنا. فحياة المسيح القائم من بين الأموات يجب أن تصبح "داخل" حياتنا اليوميّة. فالتحوّل، هو الإنتقال الدّائم من الخارج، من سطحيّة الأمور إلى "الدّاخل"، هو لقاء مع حميميّة الله في عمق أعماقنا، هو الذي يحيي حياتنا.
إنّ لقاء المسيح الفصحي، هو ولادة جديدة، والتحرّر من كامل عبوديّتنا. فالإنسان الذي يستقبل يومًا بعد يوم حبّه الحيّ وخالقه، يصبح هو أيضًا حيًّا وخالقًا. ويتحدّد مستقبلنا باستجابتنا لهذا الحبّ المنتصر الّذي يُقَدّمُ لنا مجّانًا. إنّ بذل ذاتنا هو الّذي يبنينا ويجعل منّا إنسانًا، ويقيمنا كأبناء لله.
إنّ القيامة، والآخرة، هما الله القريب منّا، الذي يحضننا ويحرّرنا من الأنا "المصنوعة مسبقًا". إنّ لقاء الله الحيّ هو التحوّل إلى إنسان، إلى شخص، والخروج من الأنا الطّفوليّة والأنانيّة والفانية. فالولادة هي تركيز جميع طاقاتنا لنحبّ مثله، وأن نحوّل كامل وجودنا إلى بذل ذاتنا.
تتجذّر قيامة الإنسان في اندفاع الحبّ الذي يجعل الأنا البيولوجيّة "إنسانيّة"، ويحوّلنا من الأنا التملّكيّة والمغلقة على نفسها، إلى فداء النّفس. الذي يولد للحبّ ومن الحبّ يصبح خالدًا بما أنّ الحبّ هو كيان الله نفسه. هذا الحبّ هو مستقبلنا. إنّه هو الّذي يؤلّه ويعطي طابعًا شخصيًّا للإنسان الذي مثل مار فرنسيس لم يعد يخاف من موت الجسد، هو الذي قال: "صديقي هو الموت"، لأنّه ليس سوى "عبور" من حريّتنا في الحبّ إلى مستوى آخر من الحبّ، ذات قوّة جديدة.
لقد خلقنا الله ليصبح كلّ منّا خالقًا. علينا أن نتحرّر من ثقل التّسيير لنصبح هياكل النّور والحبّ. هذا هو سرّ التجلّي المسيحي، الّذي هو سرّ الاستيعاب، والتّخصيص، والتّأليه. يجب أن نصبح "إنسانًا" حقيقيًّا أصبح قلبه كبيرًا بما فيه الكفاية كي يستقبل حياة الله نفسها. واستقبال الله هو أن نصبح كائنًا حيًّا يملك الكون بكامله في داخله. فالخلود ليس ما يحصل بعد الموت، فهو يحصل اليوم والآن، وفي كلّ مرّة يتخطّى الإنسان نفسه ليحبّ. هو كلّ يوم "نخلّد" فيه حياتنا. وهو كلّ يوم نقوم فيه أكثر بقليل.
هذه هي الولادة التي يدعونا إليها المسيح عندما نبلغ النّضوج الرّوحي. نضوج يطال جسدنا أيضًا، لأنّ طاقات الحبّ ستجعل أجسادنا تتجلّى مثل جسد المسيح، فنتحرّر من قيود عالمنا، من دون أن نخرج من جسدنا. إنّ موتنا ليس تحطيمًا بل هو نضوج، وإنجاز، وعبور – فصح – نحو هويّتنا الحقيقيّة.
ميشال هوبو، فرنسيسي