التأمل الثاني والثالث في الرياضة الروحية للبابا فرنسيس

متفرقات

التأمل الثاني والثالث في الرياضة الروحية للبابا فرنسيس

 

 

 

في تأمّله الثاني في الرياضة الروحية السنوية للبابا فرنسيس وأعضاء الكوريا الرومانية عاد الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني، رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه مرّة أخرى إلى جورجيو لابيرا باني السلام الذي لا يتعب وقوّة شعر ماريو لوتزي ورومانو غوارديني موجّهًا كلَّ شيء لتقديم نظرة إنجيليّة حول المدن لكي تصبح "أماكن تتَّقد بالمحبّة والسلام والعدالة.

 

 

 

 

 

ذكر رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه الحاضرين أنَّ نار محبّة يسوع قد أوكلت أيضًا إلى شهادة وحراسة وشغف كلِّ فرد. وزمن الصوم هذا يسمح بإعادة إحياء النار الذي خفِّ اتقادها بسبب الاستسلام أو العادة أو الفتور الذي يحدّثنا عنه سفر الرؤيا. وحذّر الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني في هذا السياق من الادعاء بأننا لا نحتاج لشيء والذي من خلاله نعتبر أننا معذورين من واجب الاهتمام والاعتناء بعطيّة الرب الكبيرة التي منحنا إياها من خلال حياة صلاة وإصغاء لكلمته متغذّين من الإفخارستيا المقدّسة في عيش أخوّة جذريّة تنبعث من الإصغاء إلى الكلمة والتماثل مع المنطق الإفخارستي الذي من خلاله يمكن للحياة الإلهية أن تقيم فينا، وذلك بقوّة الروح القدس. قوّة الروح القدس التي تدخل فينا وتحوِّل ضعفنا وهشاشتنا وتجعلهما قادرين على إعادة إشعال نار الرغبات المتحمِّسة.

 

 

 

 

 

وإذ استشهد أيضًا بكلمات نبيِّ الرجاء جورجيو لابيرا ذكّر الراهب البنديكتاني أنّه يمكن للإنسان أن يولد حتى وإن كان مسنًّا وهذا الأمر يحصل إن شعرنا أننا بحاجة للحاجة وراغبين بالرغبة وعندما نشارك فعلاً في الحدث الفصحي لولادة جديدة حقيقيّة من علو. وبالتالي فلا يجب علينا أن نستسلم إلى الرماد الموجود في داخلنا أو في خارجنا لأنَّ هذا الخلق الثاني يمكنه أن يتحقق في كلِّ إنسان من خلال كلِّ كلمة وكلِّ حدث. من هنا أهميّة ألا نسعى لتحقيق نتائج فوريّة تقدّم دخلاً سياسيًّا سريعًا وزائلاً، بل أعمالاً قادرة على خلق ديناميكيات جديدة في المجتمع وقادرة على أن تعطي الكائن البشري نضجًا كاملاً.

 

 

 

 

إن الحياة هي بالتأكيد عادة ولكن هناك على الدوام لحظة قرار، وهذه هي قوّة البداية، قوّة الحداثة التي تولد من الروح ومن القلب. وفي الخيار تظهر حريّة الإنسان الذي يجب أن يكون مطبوعًا على مثال المسيح وقال لا نصغينَّ إلى مُسنّي القلوب الذين يخنقون حماس الشباب، وإنما لنذهب إلى المسنين الذين تُشع عيونهم بالرجاء. لنعزز مثاليات سليمة لأنَّ الله يريدنا قادرين على أن نحلم معه وعلى مثاله فيما نسير متنبِّهين إلى الواقع. وبالتالي علينا أن نحلم بعالم مختلف وإن انطفا حلم ما لنعد إلى الحلم به مستقين برجاء من ذكرى البدايات، من تلك الجمرات التي وربما بعد حياة قد فقدت وهجها قد اختبأت تحت رماد اللقاء الأول مع يسوع.

 

 

 

 

 

أما في تأمّله الثالث مساء الاثنين فذكّر الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني، رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه بحلم جورجيو لابيرا، رئيس بلدية فلورنسا، الذي كان يحلم ويريد مدينة تكون علامة للجمال والأخوّة والاستقبال الشامل والمحبّة المسيحية على مثال مدينة أورشليم التي يصفها النبي أشعيا في الفصل الستين، وأكّد في هذا السياق أنّه يمكننا القول إن جوروجيو لابيرا قد حلِم حُلم الله، لأنّه في حلمه هذا وشغفه نجد فهمًا ساميًا للسرِّ الذي يقيم في كلِّ مدينة.

 

 

 

 

مخطط لا يتأمّل مدينة فلورنسا وحسب وإنما جميع مدن العالم المرادة كفسحة مصالحة وسلام ولقاء للإجابة على عالم غالبًا ما يُحكم عليه باليأس والاستسلام لظلمات نعتقد بأنّه لا يمكننا التغلب عليها. يتحدث رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه أيضًا عن سرٍّ شامل يحمل كل مدينة على إعادة اكتشاف دعوتها الحقيقية أي أن تكون هنا على الأرض انعكاسًا لأورشليم السماوية حيث يعيش الناس متّحدين تحركهم الرغبات المتّقدة والآمال الكبرى.

 

 

 

 

حلم تابع الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني يقول ليس ميلاً غير منطقيٍّ بل هو أمر ملموس لدرجة أنّه يفتح الأفق على عمل الله. وبالتالي فإن إعادة النظر في المدن وتجديدها في أساساتها وقممها كما يكتب لابيرا يصبح إذًا جوهريًا من أجل خير الأشخاص والهيكليات السياسية والتكنولوجية والاقتصادية. وإذ استشهد بكتابات جورجيو لابيرا وأبيات من شعر ماريو لوتزي الذي يفسّر هذا الحلم الرائع طلب الراهب البنديكتاني ألا يتم إلزام الهيكليات المدنية وحسب وإنما يجب على الكنيسة وفي الطليعة أن تعمل لكي تنتصر وتتحقق رغبة الله لجميع البشر.

 

 

 

من هنا دعا رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه إلى الشهادة التي تولد من نار الروح القدس: الشعلة الوحيدة القادرة على إيقاف شعلة العالم المدمِّرة. شهادة تكون تصرفًا ملموسًا كالثقة بالله وكحوار محبة يعيد لكلِّ مدينة رسالتها الشاملة: "لا دمار، لا حرب وإنما فقط صلاة وتقدم وجمال وعمل وسلام!" لأن المدن هي تاريخ مرئيّ وإرث مقدّس يُبنى ويُنقل بمحبة كبيرة من جيل إلى جيل تمامًا كما هو الأمر في أورشليم.

 

 

 

 

 

في الشهادة وإنما أيضًا في النظرة الإنجيلية الواضحة والشاملة التي قادت لابيرا وفي ارتداد القلب يجد رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه الترياق لجميع فترات الأزمة في المدن التي يبدو فيها أن كل شيء يتداعى وينهار. وبالتالي تصبح إعادة البناء الكلمة الأساسية التي يقدّمها الأب برناردو فرنشيسكو ماريا جاني، تمامًا كما فعل المهندس جوفاني ميكيلوتشي بعد الجراح التي تكبّدتها مدينة فلورنسا بعد الحرب العالمية الثانية.

 

 

 

 

وختم رئيس دير سان مينياتو آلمونتيه تأمله الثالث بالقول نحن بحاجة للاعتراف بأن بالمدينة انطلاقًا من نظرة تأمّلية، نظرة إيمان تكتشف ذلك الإله الذي يقيم في بيوتها ودروبها وساحاتها. فهو يعيش بين سكانها ويعزز التضامن والأخوّة والرغبة بالخير والحقيقة والعدالة. ولذلك لا ينبغي صنع هذا الحضور بل اكتشافه لأن الله لا يختبئ من الذين يبحثون عنه بقلب صادق حتى وإن كان بحثهم أحيانًا بتقدّم متعثِّرٍ وبأسلوب غير مُتقن.   

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.