ترأس قداسة البابا فرنسيس عصر الخميس في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان كونسيستوارا عاديًّا عامًا منح خلاله القبعة الكاردينالية أربعة عشرة كاردينالاً جديدًا كان قد أعلن عن أسمائهم في أعقاب صلاة التبشير الملائكي يوم أحد العنصرة في العشرين من أيار مايو الماضي، ومن بينهم بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها "وكانوا سائِرينَ في الطَّريق صاعِدينَ إِلى أُورَشَليم، وكانَ يسوعُ يَتقدَّمُهم" (مرقس ١٠، ٣٢). تساعدنا بداية هذا النص من إنجيل مرقس لنرى كيف يعتني الرّبّ بشعبه من خلال أسلوب تربية لا مثيل له. وبالتالي هو يتقدّم تلاميذه في المسيرة نحو أورشليم.
تمثل أورشليم ساعة القرارات الكبيرة والحازمة؛ وجميعنا نعرف أن اللحظات المهمّة والأساسيّة في الحياة تجعل القلب يتكلَّم وتظهر النوايا والتوترات التي تقيم في داخلنا. وهذا ما يظهره ببساطة وواقعية كبيرتين نصُّ الإنجيل الذي سمعناه. وأمام الإعلان الثالث والقاسي لآلامه لم يخف الإنجيلي من أن يكشف بعض أسرار قلوب التلاميذ: السعي إلى الأماكن الأولى، الغيرة والحسد، المؤامرات والاتفاقات؛ لكنَّ يسوع لا يتوقّف عند هذه الأمور بل يسير قدمًا ويبكِّتهم قائلاً: "لَيسَ الأَمرُ فيكم كذلِك. بل مَن أَرادَ أَن يَكونَ كَبيراً فيكم، فَليَكُن لَكُم خادِماً".
"لَيسَ الأَمرُ فيكم كذلِك" هو جواب الربِّ الذي يشكّل قبل كلِّ شيء دعوة ورهانًا ليستعيد أفضل ما في الرسل فلا يُدمَّرون ويصبحون سجناء لمنطق دنيوي يحيد نظرهم عما هو مهم. وهكذا يعلِّمنا يسوع أن الارتداد وتحول القلب وإصلاح الكنيسة، هذه الأمور جميعها هي على الدوام في ضوء رسولي. فالارتداد عن خطايانا وأنانيّتنا لن يكون أبدًا هدفًا لذاته وإنما هو يهدف بشكل أساسيٍّ للنمو في الأمانة والجهوزيّة لمعانقة الرسالة. وبالتالي فعندما ننسى الرسالة وعندما يحيد نظرنا عن وجه الإخوة الملموس تنغلق حياتنا في البحث عن مصالحها وضماناتها.
"لَيسَ الأَمرُ فيكم كذلِك – يقول الرب – بل مَن أَرادَ أَن يكونَ الأَوَّلَ فيكم، فَليَكُنْ لأَجمَعِكم عَبْداً" (مرقس ١٠، ٤٣. ٤٤). إنها الطوبى ونشيد التعظيم اللذَين دُعينا يوميًّا لإنشادهما. إنها الدعوة التي يوجّهها لنا الرب لكيلا ننسى أنَّ سلطة الكنيسة تنمو مع هذه القدرة على تعزيز كرامة الآخر ومسح الآخر من أجل شفاء جراحه ورجائه الذي غالبًا ما يتعرَّض للإساءة.
أيّها الإخوة الكرادلة والكرادلة الجدد الأعزّاء! فيما نسير على الدرب نحو أورشليم، يسير الرب أمامنا الرب ليذكّرنا مرّة أخرى أنَّ السلطة الوحيدة هي التي تولد من الإنحناء على أقدام الآخرين لنخدم المسيح، وتأتينا من عدم نسياننا بأنَّ المسيح وقبل أن يحني رأسه على الصليب لم يخف من أن ينحني أمام التلاميذ ليغسل أرجلهم. هذا هو الوسام الأعلى الذي يمكننا الحصول عليه والترقية الأكبر التي قد تُمنح لنا: أن نخدم المسيح في شعب الله الأمين، في الجائع والمنسي، في المسجون والمريض، في المدمن على المخدرات والمتروك، في الأشخاص الملموسين مع قصصهم ورجائهم، إنتظاراتهم وخيبات أملهم، آلامهم وجراحهم. هكذا فقط تأخذ سلطة الراعي طعم الإنجيل ولن تكون مجرّد "نُحاسٌ يَطِنُّ أَو صَنْجٌ يَرِنّ" (١ كور ١٣، ١).
أريد أن أتذكّر معكم جزءًا من وصيّة القديس يوحنا الثالث والعشرين الروحيّة، والذي إذ تقدّم في المسيرة تمكّن من أن يقول: "ولدت فقيرًا وإنما من أشخاص محترمين ومتواضعين، وأفرح بشكل خاص بأن أموت فقيرًا إذ قد وزّعتُ ما نلته خلال سنوات كهنوتي واسقفيّتي بحسب مختلف متطلِّبات وأوضاع حياتي البسيطة والمتواضعة في خدمة الفقراء والكنيسة المقّدسة التي غذّتني. أشكر الله على نعمة الفقر الذي نذرته في شبابي، فقر الروح ككاهن للقلب الأقدس وفقر حقيقي عضدني لكيلا أطلب شيئًا أبدًا، لا مراكز ولا أموالًا ولا خدمات لي أو لأهلي أو لأصدقائي".
إذاعة الفاتيكان.