التقى قداسة البابا فرنسيس بعد ظهر يوم الإثنين، ثاني أيّام زيارته الرسوليّة إلى بلغاريا، الجماعة الكاثوليكيّة في هذا البلد وذلك في كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل في راكوفسكي. وفي بداية كلمته شكر الحضور على الاستقبال الحار وأيضًا على ما قدَّموا من شهادات. ثم انطلق قداسته من كلمات أسقف صوفيا وبلوفديف المطران غيورغي يوفتشيف والذي دعا البابا إلى أن يساعد المؤمنين على أن يروا بأعين الإيمان والمحبّة، وقال قداسته إنّه يشكر الجماعة الكاثوليكيّة على مساعدتها إيّاه على أن يرى ويفهم بشكل أفضل ما جعل القدّيس يوحنّا الثالث والعشرين يحبّ بشكل كبير هذا البلد، الذي تفتحت فيه صداقة قويّة وسط الجماعة الكاثوليكيّة إزاء الأخوة الأرثوذكس.
وفي حديثه عن الرؤية بعين الإيمان أراد الأب الأقدس التذكير بكلمات البابا القدّيس يوحنا الثالث والعشرين خلال افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني، حين دعا إلى الثقة في العناية الإلهيّة التي ترافقنا دائمًا والقادرة وسط الصعاب على تحقيق تصميم أسمى وغير متوقع. وواصل البابا فرنسيس أن رجال ونساء الله هم أولئك الذين تعلَّموا أن يروا ويثقوا، أن يكتشفوا ويدعوا أنفسهم يقادون بقوَّة القيامة. إنّهم يدركون أن هناك أوضاعًا ولحظات أليمة، لكنهم لا يبقون بلا حراك خائفين أو، والأسوأ من هذا، يغذون أجواء دهشة أو انزعاج، لأنّ هذا يضرّ النفس ويُضعف الرَّجاء ويعيق الحلول الممكنة. رجال ونساء الله هم مَن لديهم شجاعة القيام بالخطوة الأولى، مَن يسعون إلى أن يكونوا في الصفوف الأولى شهودًا على أن المحبَّة لم تمت بل هَزمت كلَّ عقبة.
وأراد الأب الأقدس في هذا السياق مقاسمة خبرته خلال لقائه المهاجرين واللاجئين ومتطوعي هيئة كاريتاس، وتابع البابا أن مسيحيِّين كثيرين في هذا المركز قد تعلّموا أن يروا بعينَي الربّ الذي لا يتوقّف عند الصفات بل يبحث عن كلّ واحد وينتظره بعينَي أب. وقال قداسته إن الرؤية بعين الإيمان هي دعوة إلى عدم تمضية الحياة مصنِّفين مَن هو جدير بالمحبَّة ومَن ليس جديرًا بها، بل العمل على خلق الظروف كي يشعر كلّ شخص أنّه محبوب. مَن يحبّ، ليس لديه الوقت للتباكي، بل يرى دائمًا شيئًا ملموسًا يجب القيام به. وحذّر قداسته هنا من التشاؤم مضيفًا أن المحبّة في المقابل تفتح الأبواب دائمًا.
وكي نكتسب نظرة الله، نحن في حاجة إلى الآخرين ليعلِّمونا أن ننظر ونشعر مثل يسوع. وتوقف قداسته بعد ذلك عند الشهادات التي تمّ الإستماع إليها في بداية اللقاء، والتي كانت لراهبة وكاهن وزوجين شابين تحدَّثا عن القوَّة المستمدَّة من الرعيَّة كبيت ثانٍ للسير قدمًا، وذلك في الصلاة الجماعيَّة ودعم الأشخاص القريبين.
وأشار الأب الأقدس إلى المساعدة المتبادلة التي أشارت إليها هذه الشهادات بين الرُّعاة والمؤمنين. وأضاف البابا فرنسيس أن الكاهن يفقد هويته بدون المؤمنين والشّعب يمكن أن يتفكك بدون الرُّعاة، ودعا إلى الحفاظ على هذه الوحدة، فنتعلّم هكذا أن نكون كنيسة – عائلة - جماعة تستقبل وتصغي وترافق، كاشفة عن وجهها الحقيقيّ، وجه الأم. تحدّث الأب الأقدس من جهّة أخرى عن تحيَّة يسوع "السَّلام عليكم" حيثما تكون العاصفة أو الظلام، الشكّ أو القلق، وأضاف البابا أن الرّبّ لا يقول هذا فقط بل يفعله. ثم وجّه قداسته نصائح للأزواج كما وشدَّد على أهميَّة التواصل بين الشباب والمسنين.
وتابع البابا فرنسيس داعيًا إلى التحلي بالشجاعة للتساؤل حول كيفيّة ترجمة محبَّة الله لنا بشكل ملموس ومفهوم للأجيال الشابة. وأشار قداسته في هذا السياق، وحسب ما كتب في الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس المخصَّص للشباب، إلى أن الشباب لا يجدون غالبًا إجابات على مخاوفهم واحتياجاتهم ومشاكلهم وجراحهم. وشدَّد قداسته على الحاجة إلى التوصل في العمل الرعويّ إلى طرق لبلوغ قلوبهم ومعرفة تطلعاتهم وتشجيع أحلامهم كجماعة عائلة تدعم وترافق وتدعو إلى النظر إلى المستقبل برجاء.
وختم قداسة البابا فرنسيس كلمته داعيًا إلى عدم الخوف من قبول التحديَّات الجديدة، ولكن شرط العمل بكلِّ الوسائل كي لا يُحرم الأشخاص من النّور والتعزية النابعَين من الصداقة مع يسوع، وكي لا يُحرموا من جماعة مؤمنة تتقبلهم، ومن أفق محفِّز ومتجدّد يمنح معنى وحياة.
دعا قداسته أيضًا ألا ننسى أن أجمل لحظات حياة الكنيسة قد كُتبت حين سار شعب الله ليترجم محبَّة الله في كلِّ لحظة في التاريخ مواجهًا التحديات. وحثّ البابا فرنسيس مؤمني الجماعة الكاثوليكيّة في بلغاريا على ألّا يكلّوا عن أن يكونوا كنيسة تُواصل، وسط التناقضات والآلام والفقر، ولادة الأبناء الذين تحتاج إليهم هذه الأرض مستمعين بأذن إلى الإنجيل وبالأخرى إلى قلب شعبهم.
إذاعة الفاتيكان.