عقد قداسة البابا فرنسيس يوم أمس الاثنين مؤتمرًا صحفيًّا على متن الطائرة التي أقلّته من بانغي إلى روما في ختام زيارته الرسوليّة إلى كينيا أوغندا وجمهوريّة أفريقيا الوسطى. خلال المؤتمر الصحفيّ الذي استغرق قرابة الخمسين دقيقة ردّ البابا على أسئلة الصحفيّين وتناول مواضيع عدّة.
في جوابه على السؤال الأوّل حول شعوره لدى لقائه بالفقراء خلال هذه الزّيارة، ذكّر الأب الأقدس أنّه قد تحدّث حول هذا الموضوع مرّات عديدة، في اللقاء الأوّل للحركات الشعبيّة في الفاتيكان وفي اللقاء الثاني للحركات الشعبيّة في سانتا كروز دي لا سييرا في بوليفيا، في الإرشاد الرسوليّ "فرح الإنجيل" وفي الرّسالة العامّة "كُن مُسبّحًا"، وقال لقد سمعت إنّ الـ 80% من الغنى في العالم هو بين أيديّ الـ 17% من السّكان.
نعيش في نظام إقتصاديّ يتمحور حول المال، الإله المال. وإن استمرّت الأمور على هذا الشّكل سيبقى العالم هكذا. لقد سألتني ماذا شعرتُ عندما استمعت إلى شهادات حياة الشباب وفي كانجامي، لقد تحدّثت بوضوح عن الحقوق... وقد شعرت بألم عميق، وأفكّر في نفسي كيف يمكن للنّاس ألا يتنبّهوا لهذا الواقع...
لقد زرت أمس مستشفى الأطفال الوحيد في بانغي وفي جمهوريّة أفريقيا الوسطى، وفي العناية الفائقة لا يملكون حتّى الأدوات للأكسجين ورأيت هناك العديد من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، وقالت لي الطبيبة أنّ العديد منهم سيموتون لأنّهم مصابون بالملاريا وهم يعانون من سوء تغذية كبير. هذا سببه عبادة الأصنام وهي عندما يفقد المرء هويّته بأنّه ابن لله ويفضل أن يبحث عن إله يناسب مقاييسه ومعاييره. هذا هو المبدأ وإن لم تتغيّر البشريّة فسيستمرّ البؤس والمأساة والحروب وسيموت الأطفال من الجوع ومن الظلم...
بماذا يفكّر هؤلاء الأشخاص الذين يملكون الـ 80% من غنى العالم؟ أليس هذا إستغلال؟ إنّها الحقيقة وليس من السّهل رؤيتها.
أمّا السؤال الثاني فكان حول اللحظة التي ستبقى في ذاكرته إلى الأبد من هذه الزيارة إلى أفريقيا وإن كان سيعود مجدّدًا إلى القارّة الأفريقيّة وما هي وجهته المقبلة. أجاب الأب الأقدس إن شاء الله ستكون الزّيارة المقبلة إلى المكسيك، لكنّ التواريخ لم تُحدّد بعد. وإن كنت سأعود إلى أفريقيا؟ لا أعرف لقد أصبحت مُسنًّا... والزيارات مُتعبة... أمّا ما لمسني فهو الجمع والفرح وتلك القدرة على الابتهاج والاحتفال بالرّغم من الجوع... إنّ أفريقيا قد فاجأتني، أنا أقول دائمًا إنّ الله يفاجئنا لكن أفريقيا أيضًا تفاجئنا! سأتذكّر لحظات كثيرة! لاسيّما الجمع والنّاس لقد كانوا يشعرون بأنّ هناك من يزورهم وهم يملكون حسًّا كبيرًا للضيافة وقد لمسته في البلدان الثلاثة التي زرتها لقد كانوا جميعهم فرحين بهذه الزيارة بالرّغم من أنّ كلّ بلد يتميّز بهويّته.
فكينيا هو بلد حديث نسبيًّا وأكثر تطورًا، أوغندا تحمل هويّة الشّهداء وتكرّم الشّهداء، وهويّتها هي في ذكرى الشّهداء والشّجاعة في بذل الحياة في سبيل المُثل العُليا، أمّا جمهوريّة أفريقيا الوسطى فهي تسعى إلى السّلام والمُصالحة والمغفرة...
بعدها وجّه مدير إذاعة Kto الفرنسيّة سؤالاً للأب الأقدس حول التطرّف الدينيّ الذي يهدّد العالم وإن كان ينبغي على القادة الدينيّين أن يتدخلوا أكثر على الصّعيد السياسيّ. أجاب البابا فرنسيس إن كان يريد أن يقوم بعملٍ سياسيّ لا، وإنّما ليعش دعوته ككاهن أو قس أو إمام أو حاخام.
فتدخّله هو بطريقة غير مباشرة من خلال الوعظ والتّعليم، تعليم القيم الحقيقيّة وأهمّها الأخوّة لأنّنا جميعنا أبناء للآب الواحد. وفي هذا السّياق ينبغي العمل على سياسة وحدة ومصالحة وتعايش وصداقة!
التطرّف هو مرض ونجده في جميع الديانات، حتّى نحن الكاثوليك لدينا بعض المتطرفين الذين يعتقدون أنّهم يمتلكون الحقيقة المُطلقة ويسيرون ويشوهّون صورة الآخرين بالثرثرة وبهذا هم يسبّبون شرًّا كبيرًا، وأنا أتحدّث عن هذا الأمر لأنّها كنيستي وكنيستنا جميعًا وينبغي أن نكافح هذا الأمر. لكن التطرّف ليس أبدًا دينيًّا، ولماذا؟ لأنّ الله ليس فيه، بل هو نوع من عبادة الأصنام تمامًا كعبادة المال. وهنا يأتي دورنا كقادة دينيّين في محاولة إقناع هؤلاء الأشخاص في العدول عن مواقفهم إن أردنا أن نتكلّم عن تدخّل سياسيّ كما سألتني.
وفي سؤال حول الأيدز وحول موقف الكنيسة من استعمال الواقي للحدّ من العدوى. أجاب الأب الأقدس ليست هذه المشكلة، وإنّما المشكلة هي أكبر بكثير، وسؤالك هذا يجعلني أفكّر بالسؤال الذي طرحوه على يسوع: "يا معلّم، أَيَحِلُّ الشِّفاءُ في السَّبْت؟" إن الشّفاء ضروريّ! لكن سؤالك ينبغي أن يكون أيحلُّ الشّفاء من سوء التغذية، من الاستغلال والاستعباد، من غياب المياه الصالحة للشرب: هذه هي المشاكل.
فالجرح الكبير هو الظلم الاجتماعيّ والظلم البيئيّ والاستغلال وسوء التغذية. لا أحبّ أن أدخل في تأمّلات تقوم على أحكام وسوابق فيما هناك أشخاص يموتون من الجوع ومن العطش... عندما يُشفى الجميع وتختفي جميع هذه الأمراض التي يُسبِّبها الإنسان إن كان بسبب ظلمه الاجتماعيّ أو بسبب بحثه عن مصالحه وربحه، عندما تختفي جميع هذه المشاكل سيصبح من المُمكن طرح السؤال: "أَيَحِلُّ الشِّفاءُ في السَّبت؟".
بعدها وجّه أحد الصحافيّين للأب الأقدس سؤالاً حول مؤتمر باريس حول التغييرات المناخيّة وإن كان سيشكّل هذا المؤتمر بداية للحلول، أجاب البابا فرنسيس لست أكيدًا لكنّني أقول أنّ هذا هو الوقت المناسب، حتّى الآن تمّ فعل القليل وفي كلّ سنة تزداد المشاكل سوءًا. ففي حديثي مع مجموعة من الأساتذة الجامعيّين حول أي عالم نريد أن نتركه لأبنائنا، سألني أحدهم: "هل أنت أكيد من أنّه سيكون هناك أبناء لهذا الجيل؟".
لنسمع كلمات قويّة كهذه فهذا الأمر يعني أنّنا قد وصلنا إلى الهاوية. أنا مُتأكّد أنّ جميع الذين يشاركون في مؤتمر باريس حول التّغييرات المناخيّة يملكون هذا الوعيّ والإدراك ويرغبون بإيجاد حلول وأنا أثق بهم وبأنّهم سيجدون سبيلاً لأنّهم يملكون الإرادة الصّالحة وأنا أصلّي من أجل هذا الأمر أيضًا.
وفي جوابه على سؤال حول الزيارة إلى المكسيك وإن كان ينوي زيارة كولومبيا والبيرو أيضًا أجاب البابا كما تعلم إن السّفر متعب لشخصٍ في مثل سنّي. ولو لم يكن لتعبّدي للعذراء لما قمت بزيارتي إلى المكسيك. ولكن بما أنّ من معايير الزيارة الرسوليّة أن يقوم الأب الأقدس بزيارة ثلاثة أو أربعة مدن لم يزرها أبدًا حبر أعظم، لذلك سأذهب في المكسيك أوّلاً إلى مدينة مكسيكو لزيارة العذراء وبعدها إلى شاباس على الحدود الجنوبيّة للبلاد مع غواتيمالا وسأزور بعدها موريلّا وسيوداد خواريز.
أمّا بالنسبة لزيارة بلدان أخرى في أمريكا اللاتينيّة فقد تلقّيت دعوة لعام 2017 لزيارة آباريسيدا شفيعة أمريكا اللاتينيّة الأخرى والناطقة باللغة البرتغاليّة، فكما تعلم هناك شفيعتان لأمريكا اللاتينيّة، ومن هناك قد أزور بلدًا آخر ولكن حتّى الآن لا يوجد أي مخطّط بعد.
أمّا السؤال الأخير الذي أجاب عليه الحبر الأعظم فكان حول الحروب التي تمزّق أفريقيا وقال البابا فرنسيس إنّ أفريقيا هي ضحيّة، وقد تمّ استغلالها على الدّوام من قبل قوى أخرى. فمن أفريقيا كانوا يأخذون العبيد ليبيعونهم في أمريكا. هناك قوى تسعى للاستيلاء على غنى أفريقيا الكبير بدون أن تفكّر في مساعدة البلدان الأفريقيّة على النموّ... أفريقيا تتعرّض للاستغلال وهي شهيدة. إنّها شهيدة للاستغلال عبر التاريخ. والذين يقولون أنّ الحروب تأتي من أفريقيا فهم لا يفهمون شيئًا... ولذلك أنا أحبّ أفريقيا لأنّها كانت على الدّوام ضحيّة قوى أخرى.
إذاعة الفاتيكان.