عقد قداسة البابا فرنسيس يوم أمس الخميس مؤتمرًا صحفيًّا على متن الطائرة التي أقلته إلى روما في ختام زيارته الرسولية إلى المكسيك. خلال المؤتمر الصحفي الذي استغرق قرابة الساعة ردَّ البابا على أسئلة الصحفيين وتناول مواضيع عدّة من بينها لقاءه مع كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا.
وفي ختام المؤتمر الصحفي شكر البابا فرنسيس مُنظّم الزيارات البابوية منذ حبريّة البابا يوحنا بولس الثاني السيّد ألبرتو غاسبرّي الذي ومع زيارة المكسيك يختتم خدمته في هذا الإطار.
في جوابه على السؤال الأول حول قضايا التجاوزات الجنسيّة ضدّ قاصرين في المكسيك تحدث البابا فرنسيس عن شجاعة البابا بندكتس السادس عشر الذي وعندما كان عميدًا لمجمع عقيدة الإيمان اهتم شخصيًّا بهذه القضايا، وخلال رتبة درب الصليب يوم الجمعة العظيمة، قبل أيام قليلة من وفاة البابا يوحنا بولس الثاني قال ينبغي علينا أن نطهّر الكنيسة من هذه الآفات. لقد كان بندكتس السادس عشر أول من فتح هذا الباب. وفي ختام جوابه أكّد البابا فرنسيس أن الأعمال مسترّة في هذا السياق وأنّه قد قرّر أن يعيّن سكرتيرًا ثالثًا في مجمع عقيدة الإيمان ليهتمّ بهذه القضايا فقط.
أما السؤال الثاني فكان حول الهجرة إحدى النقاط الأساسيّة للحملة الانتخابية في الولايات المتحدة مع المرشّح دونالد ترامب الذي أعلن أنّه سيتّخذ تدابير قاسية ضدّ المهاجرين، ووصف الأب الأقدس بأنه رجل سياسيّ فيما يختص بمواقفه إزاء المهاجرين وأوضاعهم. أجاب البابا فرنسيس مذكّرًا بكلمات أرسطو الذي يصف الإنسان بالحيوان السياسي وأكّد أن الشخص الذي يفكّر فقط برفع الجدران والعوائق بدلاً من أن يبني الجسور لا يكون إنسانًا مسيحيًّا، وأضاف لكن ينبغي علينا أولاً أن نتأكّد إن كان المرشح دونالد ترامب قد قال هذا الأمر حقًّا.
بعدها وجّه أحد الصحافيين سؤالاً للأب الأقدس حول اللقاء مع كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا فأجاب البابا أن اللقاء والعناق مع البطريرك كيريل في كوبا والمحادثات قد شكّلت مصدر فرح للطرفين وأضاف مؤّكدًا قربه الروحي بالصلاة للمجمع الأرثوذكسي الذي سيُعقد في كريت، لكي يتمكن الأرثوذكس من المضيّ قدمًا. بعدها عبّر الأب الأقدس في هذا السياق عن قلقه بسبب الإنتقادات التي نشأت في أوكرانيا بين الروم الكاثوليك الذين عبّروا عن خيبة أملهم لما جاء في الإعلان المشترك، لكنّه رحّب في الوقت عينه بموقف رئيس أساقفة أوكرانيا سفياتُسلاف شِفشوك الذي أدان مواقف شعبه وطلب أن تتمّ قراءة هذا الإعلان وفهمه بشكل كامل بدون أن يتمّ اجتزاؤه.
وفي جوابه على سؤال حول فيروس زيكا وحول الخطر الذي يسبِّبه للنساء الحوامل والذي دفع بعض السلطات لتقديم الإجهاض أو تحاشي الحَمل كحلّ للوضع أكّد البابا فرنسيس أن الكنيسة لا يمكنها أن تقبل أبدًا بمبدأ "أهون الشرَّين" لأن الإجهاض جريمة: فأنت تقتل شخصًا لتنقذ آخرًا، وبهذه الطريقة تتصرّف المافيا وبالتالي إنه شرّ بكل ما للكلمة من معنى. وأضاف الأب الأقدس مؤكّدًا أنه لا يجب أن نخلط "شرّ" تحاشي الحمل مع الإجهاض، لأنَّ الإجهاض ليس معضلة لاهوتيّة وإنما مشكلة إنسانيّة وطبيّة. إنّه شرّ بذاته، وليس شرًّا دينيًّا.
بعدها أجاب البابا فرنسيس على سؤال حول تسلّمه جائزة شارلمان العالمية لمدينة آخن وتمنّى أن تشكّل هذه الجائزة علامة لإعادة تأسيس الإتحاد الأوروبّي، لأن أوروبا ليست فريدة ولكنها تملك قوّة وثقافة وتاريخًا لا يمكننا التفريط بها وبالتالي ينبغي علينا أن نقوم بكل الجهود الضروريّة لكي يتحلّى الاتحاد الأوروبي بالقوة والإلهام ليقودنا قدمًا إلى الأمام.
وفي جوابه على سؤال حول العائلة والمطلّقين الذين تزوّجوا مرّة ثانية أكّد البابا فرنسيس أن الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس سيصدر قريبًا وسيتضمّن كل ما قاله السينودس بهذا الشأن وسيشرح ضرورة التحضير للزواج وتربية الأبناء الذين هم غالبًا ضحايا مشاكل العائلة حتى عندما تكون أسباب هذه المشاكل خارجيّة كغياب العمل على سبيل المثال.
وفي هذا السياق ذكّر الأب الأقدس بلقائه مع العائلات في توكستلا وسلّط الضوء مجدّدًا على أهميّة إدماج العائلات المجروحة وعائلات المطلّقين الذين تزوجوا مرّة ثانية في حياة الكنيسة، مؤكدًّا أن هذا الإدماج لا يعني أبدًا الاقتراب مجدّدًا من سرّ المناولة.
بعدها أجاب البابا فرنسيس على سؤال حول صداقة المراسلة بين البابا يوحنا بولس الثاني والفيلسوفة الأمريكيّة أنّا تيميِنيِكا (Anna Tymienieka) وقال إن الصداقة بين رجل وامرأة ليست خطيئة، لا بل إن الرجل الذي لا يعرف كيف يبني علاقة صداقة مع امرأة هو رجل ينقصه شيء ما. الصداقة بين الرجل والمرآة ليست خطيئة، أما علاقة الغرام بين رجل وامرأة ليست زوجته فهي خطيئة. وأضاف إن الأب الأقدس هو رجل أيضًا، والبابا يحتاج أيضًا لوجهة نظر النساء إزاء بعض الأمور، أضِف إلى أن الأب الأقدس يملك أيضًا قلبًا وبإمكانه أن يبني علاقة صداقة سليمة ومقدّسة مع امرأة.
وختم البابا فرنسيس المؤتمر الصحفي الذي عقده على متن الطائرة معبِّرًا عن رغبته بأن يزور الصين ويلتقي إمام الأزهر، وعبّر عن فرحه لأنه تمكن من اكتشاف غنى وتاريخ الشعب المكسيكي وإنما أيضًا فرحه وإيمانه الذي يمكننا فهمه فقط من خلال حدث ظهور العذراء مريم سيّدة غوادالوبي، وقال إن العذراء حاضرة هناك، وقد صلّيت أمامها من أجل العالم بأسره، لقد طلبت المغفرة، وسألتها أن تنمو الكنيسة سليمة كما صلّيت من أجل الشعب المكسيكي ومن أجل الكهنة والرهبان والراهبات والأساقفة ليعيشوا كل دعوته بعمقها كما يريدهم الرب فيكونوا كهنة ورهبانًا وراهبات وأساقفة حقيقيّين. أما الباقي، أضاف البابا فرنسيس يقول، فيبقى سرًّا بيني وبينها لا يمكنني البوح به لأنه كتلك الأشياء التي يقولها الابن لأمّه فقط.
إذاعة الفاتيكان.