عند الساعة العاشرة من صباح الأحد غادر قداسة البابا فرنسيس شيزينا ليتابع زيارته الراعويّة إلى بولونيا لمناسبة المؤتمر الإفخارستي الأبرشي. حطّت مروحيّة الأب الأقدس في بولونيا عند الساعة العاشرة والعشرين دقيقة وانطلق البابا مباشرة إلى مركز إينريكو ماتيي الذي يستقبل عددًا كبيرًا من اللاجئين والمهاجرين.
لدى وصوله حيا الأب الأقدس المهاجرين واللاجئين الذين يقيمون في المركز ووجّه لهم كلمة قال فيها
كثيرون لا يعرفونكم ويخافون؛ وهذا الأمر يجعلهم يشعرون أنّهم يملكون الحق بالحكم ويقومون بذلك بقساوة وبرودة معتقدين أنهم يرون الأمور بطريقة صحيحة. لكنّ الأمر ليس هكذا لأننا نرى جيّدًا فقط من خلال القرب الذي يعطي الرحمة. إن نظرنا إلى القريب بدون رحمة لا يمكننا أن ندرك ألمه ومشاكله؛ واليوم أرى فقط رغبة كبيرة بالصداقة والمساعدة. أرى فيكم، كما في كلِّ غريب يقرع على بابنا، يسوع المسيح، الذي يتماهى مع الغريب الذي نقبله أو نرفضه في كل زمن وحالة.
تتطلب هذه الظاهرة رؤية وحزمًا كبيرًا في الإدارة، ذكاء وهيكليات، وأساليب عمل واضحة لا تسمح بالانحرافات أو الاستغلال. ولذلك أعتقد أنّه من الأهميّة بمكان أن يتبنى عدد أكبر من البلدان برامج دعم خاص وجماعي للاستقبال وتفتح ممرات إنسانيّة للاجئين الذين يعانون أوضاعًا صعبة لتحاشي الإنتظار الذي لا يُطاق والوقت الضائع. إن الإدماج يبدأ بالمعرفة؛ والعلاقة مع الآخر تحملنا على اكتشاف "السرِّ" الذي يحمله كلُّ فرد في ذاته والعطيّة التي يمثِّلها، وعلى الانفتاح عليه لأقبل جوانبه الجيّدة وأتعلّم أن أحبّه فأتغلّب على الخوف وأساعده على الاندماج في الجماعة الجديدة التي تستقبله.
آتي بينكم لأنني أريد أن أحمل عيونكم في عيناي وقلوبكم في قلبي. أريد أن أحمل معي وجوهكم التي تطلب أن يتمَّ تذكُّرها ومساعدتها و"تبنّيها"، لأنّكم في العمق، تبحثون عن شخص يراهن عليكم ويثق بكم ويساعدكم كي تجدوا ذلك المستقبل الذي جعلكم رجاؤه تصلون إلى هنا.
أنتم مناضلون في سبيل الرجاء! وهذا الرجاء لن يصبح خيبة أمل أو يأس بفضل العديد الذين يساعدونكم كي لا تفقدوه. أريد أن أحمل في قلبي خوفكم والصعوبات والمخاطر والشك...؛ والأشخاص الذين تحبّونهم والذين من أجلهم انطلقتم للسعي عن المستقبل. أن نحملكم في أعيننا وقلوبنا سيساعدنا كي نعمل أكثر من أجل مدينة مضيافة وقادرة على خلق فرص للجميع. لذلك أحثُّكم كي تكونوا منفتحين على ثقافة هذه المدينة ومستعدّين للمضي قدمًا في الدرب التي تشير إليها قوانين هذا البلد.
الكنيسة هي أمٌّ لا تميّز وتحب كل إنسان كابن لله وصورته. بولونيا هي مدينة قد عُرفت بالضيافة على الدوام. وقد تجدّدت هذه الضيافة من خلال العديد من خبرات التضامن والاستقبال في الرعايا والوقائع الدينيّة، وإنما أيضًا في العديد من العائلات ومختلف المجموعات الاجتماعيّة. فهناك من وجد أخًا يساعده أو ابنًا يربّيه؛ وهناك من وجد عائلة جديدة ترغب معه بمستقبل جديد. لا تخافوا من أن تعطوا الأرغفة الخمسة والسمكتين لأن العناية الإلهيّة ستتدخّل وسيشبع الجميع!
لقد كانت بولونيا أول مدينة أوروبيّة، لسبعمائة وستين سنة خلت، في تحرير الخدم من العبوديّة. ومع ذلك فهي لم تخف. كما لم يخف الشعب أيضًا من أن يستقبل أولئك الذين لم يكُن يُنظر إليهم كأشخاص في ذلك الزمن ومِن أن يعترف بهم ككائنات بشريّة وكتبوا أسماء كل فرد منهم في كتاب! كم أرغب في أن تُكتب أسماؤكم أيضًا ويتمُّ ذكرها لأنكم، وكما حصل في الماضي، وجدتم مستقبلاً مشتركًا معًا!
إذاعة الفاتيكان.