استقبل قداسة البابا فرنسيس في القصر الرسولي بالفاتيكان أعضاء اللجنة الدوليّة المختلطة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال أنظر بامتنان إلى عمل لجنتكم التي تأسست عام 2003 وبلغت لقاءها الرابع عشر. لقد تأمّلتم خلال العام الماضي حول طبيعة الأسرار ولاسيما حول سرّ المعموديّة.
في المعمودية، اكتشفنا مجدّدًا أساس الشركة بين المسيحيين؛ كاثوليك وأرثوذكس شرقيّون يمكننا أن نكرّر ما أكّده بولس الرسول: "فإِنَّنا اعتَمَدْنا جَميعًا في رُوحٍ واحِد لِنَكونَ جَسَدًا واحِدًا" (1 كور 12، 13). أما خلال هذا الأسبوع فقد تمكّنتم من التأمّل حول الجوانب التاريخيّة واللاهوتيّة والكنسيّة للإفخارستيا "ينبوع وقمة كل حياة مسيحية" (نور الأمم، عدد 11).
لذا وإذ أشجّعكم على المتابعة أرجو بأن يتمكن عملكم من أن يشير إلى دروب ثمينة لمسيرتنا ويسهّل المسيرة نحو ذاك اليوم المنتظر الذي سننال فيه نعمة الاحتفال بذبيحة الرّبّ على المذبح عينه كعلامة للشركة الكنسيّة التي تمّت استعادتها بملئها.
إن العديد منكم ينتمون إلى كنائس تشهد يوميًّا على دمار العنف والأعمال الرهيبة التي يسببها التطرّف المُتزمِّت. نعلم جيّدًا أن أوضاع الألم المأساوي هذه تتجذّر بشكل أسهل في أُطُر الفقر والظلم والتهميش الإجتماعي الناتجة أيضًا عن عدم الثبات الذي تولِّده مصالح الأطراف والنزاعات السابقة التي سببت أوضاع حياة بائسة وصحاري ثقافيّة وروحيّة من السهل أن يتم فيها التحكّم بالكراهية والحث عليها.
يكتب القديس بولس "فإِذا تَأَلَّمَ عُضوٌ تَأَلَّمَت مَعَه سائِرُ الأَعضاء" (1 كور 12، 26). إن آلامكم هذه هي آلامنا. أتّحد معكم في الصلاة طالبًا نهاية النزاعات وقرب الله من الشعوب الممتحنة ولاسيما الأطفال والمرضى والمسنّين، كما وأعبّر عن قربي بشكل خاص من الأساقفة والكهنة والمكرّسين والمؤمنين ضحايا الاختطافات الوحشيّة وجميع الذين تمّ استعبادهم.
لتعضد الجماعات المسيحيّة شفاعة ومثال العديد من شهدائنا وقدّيسينا الذين قدّموا شهادة شُجاعة للمسيح؛ فهم يُظهرون جوهر إيماننا الذي لا يقوم على رسالة سلام ومصالحة عامة وإنما على يسوع المصلوب والقائم من الموت: سلامنا ومصالحتنا، وكتلاميذ له نحن مدعوون لنشهد في كلّ مكان لمحبّته المتواضعة التي تصالح إنسان كل زمان.
إن مركز الحياة المسيحيّة، سرُّ يسوع المائت والقائم من الموت محبّة بنا هو المرجع أيضًا لمسيرتنا نحو ملء الوحدة. والشهداء يدلّوننا مرّة أخرى إلى الدرب: كم من مرّة قد حمل بذل الحياة المسيحيين، المنقسمين في أمور عديدة، على الإتّحاد.
إن شهداء وقديسي جميع التقاليد الكنسيّة هم في المسيح واحد؛ وإذ ضحّوا بأنفسهم في سبيل المحبّة على الأرض، هم يقيمون الآن في أورشليم السماويّة الواحدة بالقرب من الحمل المذبوح. وحياتهم المقدّمة كعطيّة تدعونا إلى الشركة والسير مسرعين على الدرب نحو ملء الوحدة. فكما كان دم الشهداء في الكنيسة الأولى بذرة لمسيحيين جددًا ليكن اليوم أيضًا دم العديد من الشهداء بذرة وحدة بين المؤمنين وعلامة وأداة لمستقبل في الشركة والسلام.
إذاعة الفاتيكان.