ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة القدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بُطرس بالفاتيكان عن راحة نفس الكرادلة والأساقفة المتوفين خلال هذه السّنة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها:
إنّ شهر تشرين الثاني، الذي تُكرِّسه التقوى المسيحيّة لتذكار الموتى المؤمنين، يولّد في كلّ سنة في الجماعة الكنسيّة فكرة الحياة بعد الموت ولاسيّما فكرة اللّقاء النهائيّ مع الربّ الذي سيكون هو ديّان مسيرتنا الأرضيّة؛ ديّان يتميّز بالرّحمة والشّفقة، كما يذكّرنا صاحب المزمور. وإذ ندرك هذا الأمر، نجتمع اليوم حول مذبح الرّبِّ لنصلّي من أجل راحة نفس الكرادلة والأساقفة الذين أنهوا حياتهم الأرضيّة خلال هذه الأشهر الإثنيّ عشر الأخيرة.
لقد وصل إخوتنا هؤلاء إلى الهدف بعد أن خدموا الكنيسة وأحبّوا الربّ يسوع في يقين المحبّة الذي ذكّرنا به القدّيس بولس الرّسول: "فمَن يَفصِلُنا عن مَحبَّةِ المسيح؟"(رو 8/ 35). إنّه الإيمان بمحبّة المسيح الذي لا يمكن لشيء أن يفصلنا عنها: لا َشِدَّةٌ ولا ضِيقٌ ولا اضْطِهادٌ ولا خطر ولا موت ولا حياة... لقد كانوا يحملون، واضحة نصب عيونهم، كلمات سفر الحكمة: "الأمناء في المحبّة سيلازمونه"، وكانوا يعرفون جيّدًا أنّ حجّنا الأرضيّ ينتهي في بيت الآب السّماويّ وهناك فقط نجد الهدف والرّاحة والسّلام.
المسيرة نحو بيت الآب تبدأ، بالنسبة لكلِّ فرد منّا، في اليوم الذي نفتح فيه أعيننا على النّور، ومن خلال المعموديّة على النعمة. والمرحلة المهمّة بالنسبة لنا نحن الكهنة والأساقفة هي اللّحظة التي نلفظ فيها كلمة "هاءنذا!" خلال السيامة الكهنوتيّة. ومنذ تلك اللحظة نتّحد بشكلٍ خاصّ بالمسيح ونشارك في كهنوته كهنوت الخدمة. وعند ساعة الموت، سنلفظ الـ "هاءنذا" الأخيرة بالاتّحاد مع يسوع الذي مات مستودِعًا روحه بين يديّ الآب. إنّ الكرادلة والأساقفة الذين نذكرهم اليوم في صلاتنا قد كرّسوا أنفسهم خلال حياتهم، ولاسيّما بعد أن كرّسوها لله، للشّهادة وليقدّموا محبّة يسوع للآخرين، وبالكلمة والعمل حثّوا المؤمنين على القيام بالمثل.
لقد كانوا رعاة لقطيع المسيح وعلى مثاله بذلوا ذواتهم وضحّوا بأنفسهم في سبيل خلاص الشّعب الذي أوكِل إليهم. لقد قدّسوه من خلال الأسرار وقادوه على درب الخلاص؛ أعلنوا الإنجيل ممتلئين من قوّة الرّوح القدس، وبمحبّة أبويّة اجتهدوا ليحبّوا الجميع لاسيّما الفقراء والضّعفاء والمعوزين. لذلك وفي نهاية حياتهم نفكّر أنّ الرَّبّ "قد وجدهم أهلاً له كذبيحة قُرِّبت مُحرقة قبلهم" (حكمة 3، 6).
من خلال خدمتهم طبعوا في قلوب المؤمنين الحقيقة المعزّية بأنَّ "النعمة والرّحمة لمختاريه". وباسم إله الرّحمة والغفران باركتهم أيديهم وعزّتهم كلماتهم ومسحت دموعهم، وشهِد حضورهم ببلاغة أن صلاح الله لا ينضب ورحمته لامُتناهية؛ والبعض منهم قد دعوا ليقدِّموا شهادة بطوليّة للإنجيل إذ عاشوا اضطهادات قاسية.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول في ضوء سرِّ المسيح الفصحيّ، يشكّل موتهم دخولاً في ملء الحياة. في نور الإيمان هذا نشعر بأنّنا أقرب إلى إخوتنا المتوفين: لقد فصلنا الموت ظاهريًّا ولكنَّ قوّة المسيح وروحه يوحِّداننا يشكلٍ أعمق؛ وإذ نتغذى بخبز الحياة ننتظر مع الذين سبقونا، برجاء ثابت، اليوم الذي سنلتقي به وجهًا لوجه بوجه الآب المنير والرّحوم.
إذاعة الفاتيكان