ترأس قداسة البابا فرنسيس عند الساعة الخامسة من بعد ظهر الأحد القدّاس الإلهيّ في استاد "Dall’Ara" في بولونيا بعد نهار حافل باللقاءات مختتمًا هكذا زيارته الراعويّة وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها:
أحتفل معكم بأوّل أحد للكلمة: إنّ كلمة الله تُضرم القلب لأنّها تجعلنا نشعر بأنَّ الرَّبّ يحبّنا ويعزّينا. في الواقع هي تدخل في النفس وتحمل إلى النّور أسرار القلب وتناقضاته.
تحثنا هذه الكلمة اليوم من خلال مثل الابنين اللذين إزاء طلب الأب بالذهاب للعمل في الكرم أجابا: الأول "لا أُريد". ولكِنَّه نَدِمَ بَعدَ ذلك فذَهَب" والثاني: "ها إِنِّي ذاهبٌ يا سيِّد!" ولكنَّه لم يَذهَب". لنحاول أن نتخيّل ما حصل في داخلهما. في قلب الأوّل وبعد الـ "لا" تردّد مجدّدًا صدى دعوة الأب؛ أمّا الثاني وبالرّغم من الـ"نعم" بقي صوت الأب دفينًا (متى21/ 28 -32).
يضع يسوع أمامنا من خلال هذا المثل دربين: أنّنا لسنا مستعدّين على الدّوام لنقول نعم بالكلمة والعمل لأنّنا خطأة ولكن يُمكننا أن نختار إمّا أن نكون خطأة في مسيرة يبقون في الإصغاء لكلمة الرَّبّ وعندما يسقطون يندمون ويقومون مجدّدًا؛ وإمّا خطأة جالسون مستعدّون على الدّوام لتبرير أنفسهم بالكلمات بحسب ما يناسبهم.
يوجّه يسوع هذا المثل لبعض الرّؤساء الدينيِّين في ذلك الوقت والذين يشبهون الابن الذي يعيش حياة مزدوجة، فيما يتصرّف باقي الشّعب غالبًا كالابن الآخر. هؤلاء الرُّؤساء كانوا يعرفون ويشرحون كلَّ شيء ولكنّهم كانوا يفتقرون للتواضع للإصغاء والشجاعة لمسائلة أنفسهم والقوّة للندامة، ويأتي موقف يسوع قاسيًّا جدًّا إذ يقول أنَّ حتى العَشَّارينَ والبَغايا سيَتَقَدَّمونَهم إِلى مَلَكوتِ الله.
لكن ماذا يقول هذا الأمر لنا؟ إنّه لا وجود لحياة مسيحيّة مُعلّبة أو مبنيّة بشكل علميّ حيث يكفي إتمام بعض الوصايا لتهدئة الضّمير؛ لا لأنَّ الحياة المسيحيّة هي مسيرة متواضعة لضمير غير متحجّر وفي علاقة دائمة مع الله، يعرف كيف يندم ويتّكل على الله في فقره بدون أن يدّعي بأنّه يكفي نفسه. وبالتالي فالكلمة الجوهريّة هي الندامة: لأنّ الندامة هي التي تسمح لنا بألا نتحجّر وتحوّل الـ "لا" التي نقولها لله إلى "نعم"؛ والـ"نعم" التي نقولها للخطيئة إلى "لا" محبّة بالرَّب. إنّ مشيئة الآب، الذي يكلّم ضميرنا يوميًّا، تتمُّ فقط في شكل التوبة والارتداد الدائم.
نرى إذًا أيّها الإخوة والأخوات الأعزاء أنَّ كلمة الله تنفذ إلى العمق و"بِوُسعِها أَن تحكُمَ على خَواطِرِ القَلبِ وأَفكارِه" (عب 4، 12)؛ ولكنّها أيضًا آنيّة فهذا المثل يذكّرنا أيضًا بالعلاقات بين الآباء والأبناء التي ليست سهلة على الدّوام، وأشار البابا في هذا السياق إلى السّرعة التي من خلالها تتغيّر الأمور بين جيل وآخر وقال لذلك كما في العائلة هكذا في الكنيسة والمجتمع أيضًا: لا تتخلّوا أبدًا عن اللقاء والحوار وعن البحث عن دروب جديدة للسير معًا.
غالبًا ما نصل في مسيرة الكنيسة إلى السؤال: إلى أين نذهب وكيف نسير قدمًا؟ ولذلك أريد أن أترك لكم في ختام هذا اليوم ثلاث نقاط تكون بمثابة مرجع لكم. الأولى وهي الكلمة التي تشكل بوصلة للسَّير بتواضع لكي لا نُضيّع درب الله ونسقط في روح العالم. الثانية هي الخبز وهو الخبز الإفخارستي لأنّ كلّ شيء يبدأ انطلاقـًا من الإفخارستيّا، منها ننطلق وبها نلتقي في كلِّ مرّة وهذه هي بداية كوننا كنيسة. وختامًا الكلمة الثالثة هي الفقراء.
هناك اليوم وللأسف العديد من الأشخاص الذين ينقصهم الضروري ولكن هناك العديد من الأشخاص الذين يفتقرون للعاطفة، أشخاص وحيدون وفقراء لله. في هؤلاء الأشخاص جميعًا نجد يسوع، لأنّ يسوع قد تبع في العالم طريق الفقر وإخلاء الذات كما يقول القدّيس بولس إلى أهل فيليبي "إنَّ يسوع قد تَجَرَّدَ مِن ذاتِهِ مُتَّخِذًا صورَةَ العَبد" (2/ 7). وبالتالي من الإفخارستيا إلى الفقراء، لننطلق للقاء يسوع!
إذاعة الفاتيكان.