ترأس قداسة البابا فرنسيس عند الساعة الرابعة بعد الظهر يوم الخميس القداس الإلهي في منتزه سيمون بوليفار في بوغوتا بحضور عدد كبير من الأساقفة والكهنة والمؤمنين العلمانيين قدموا من مختلف أنحاء البلاد وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة تمحورت حول الإنجيل اليومي الذي تقدّمه الليتورجية من القديس لوقا(5 / 1- 11) والذي يقدّم لنا يسوع يبشّر عَلى شاطِئِ بُحَيرَةِ جِنّاسَرِت فيما ازدحم الجمع حوله.
لقد كان الجميع يأتون للإصغاء إليه لأن كلمة يسوع كانت تحمل شيئًا مميّزًا لا يترك سامعها غير مبالٍ، لقد كانت تملك القدرة على تحويل القلوب وهي كلمة يثبّتها العمل. هنا أيضًا نجد جموعًا تتوق لكلمة حياة تنير بنورها جميع الجهود وتُظهر معنى وجمال الحياة البشريّة في أرض خصبة يمكنها أن تعطي ثمارًا للجميع، ولكن كما في مناطق أخرى من العالم نجد هنا ظلمات تهدِّد الحياة وتدمّرها: ظلمات الظلم وعدم المساواة الإجتماعيّة، ظلمات المصالح الشخصيّة التي تستهلك بشكل أناني ما هو لخير الجميع؛ ويسوع يبدِّد جميع هذه الظلمات ويدمّرها بقوله لبطرس "سِر إلى العُرض".
على مثال بطرس نحن نعرف خبرة العمل بلا نتيجة ولكن على مثاله أيضًا نحن قادرون أن نثق بالمعلِّم الذي تولّد كلمته الخصب حيث يجعل نبذ الظلمات البشريّة كل الجهود والأتعاب عقيمة. بطرس هو الرجل الذي يقبل بحزم دعوة يسوع ويترك كلِّ شيء ويتبعه ليتحوّل إلى صياد جديد تقوم رسالته على جذب إخوته نحو ملكوت الله حيث تصبح الحياة كاملة وسعيدة.
لكن وصيّة رمي الشباك ليست موجّهة فقط إلى سمعان بطرس، لكنّه سار إلى العرض كجميع الذين عرفوا في بلدكم ما هو مُلحٌّ وقاموا بمبادرات سلام وحياة. إن رمي الشباك يتطلّب مسؤوليّة، ونجد في كولومبيا جماعة كبيرة مدعوّة لتصبح شبكة قويّة تجمع الجميع في الوحدة من خلال العمل للدفاع عن الحياة البشريّة والعناية بها. والجموع التي تعيش في بوغوتا بإمكانها أن تصبح أيضًا جماعات حيّة، عادلة وأخويّة إن أصغت إلى كلمة الله وقبلتها.
على مثال الرسل ينبغي علينا أن ندعو بعضنا البعض ونرسل العلامات لبعضنا البعض على مثال صيادي السمك فنعتبر بعضنا البعض إخوة ورفقاء درب وشركاء في هذه المؤسسة المشتركة التي هي الوطن. إنَّ بوغوتا وكولومبيا هما في الوقت عينه شاطئ وبحيرة وبحر ومدينة عبر خلالها يسوع ولا زال يعبر ليقدّم حضوره وكلمته الخصبة وليخرجنا من الظلمات ويحملنا إلى النور والحياة. ولذلك علينا أن ندعو الآخرين جميعًا لكي لا يبقى أحد في مهبِّ العواصف، فندخل في السفينة جميع العائلات لأنها مزارات للحياة، ونفسح المجال للخير العام فوق كل مصلحة شخصيّة ونتحمّل مسؤوليّة الأشدَّ ضعفًا من خلال تعزيز حقوقهم.
لقد اختبر بطرس صغره وعظمة كلمة يسوع وعمله؛ لقد كان بطرس يعرف ضعفه ويعرف اندفاعه وتراجعه كما نعرف نحن أيضًا اندفاعنا وتراجعنا وكما يعرفهما تاريخ العنف والانقسام الذي عاشه شعبكم إذ لم يكن مستعدًّا على الدوام ليتشارك السفينة والعواصف والصعوبات.
لكن كما فعل يسوع مع سمعان بطرس هو يدعونا لنسير إلى العرض ويدفعنا لنتقاسم المخاطر ونترك أنانيّتنا ونتبعه، ولنترك المخاوف التي لا تأتي من الله والذعر الذي يشلّنا ويؤخر ضرورة أن نكون بناة سلام ومعزّزين للحياة.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول قال يسوع "سرّ إلى العرض"، فأشار التلاميذ إلى بعضهم البعض ليجتمعوا جميعًا في السفينة، فليكن الأمر هكذا أيضًا لهذا الشعب الحبيب!
إذاعة الفاتيكان.