في إطار زيارته الرسوليّة إلى بيرو التقى قداسة البابا فرنسيس عند الساعة العاشرة والنصف بالتوقيت المحلّي من صباح الجمعة شعوب الأمازون في إستاد "Madre de Dios" وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها:
كُن مُسبَّحًا أيّها الرّبّ على هذا العمل الرائع لشعوب الأمازون والتنوُّع الحيوي الذي تحتويه هذه الأراضي! إن نشيد التسبيح هذا ينقطع عندما نسمع ونرى الجراح العميقة التي يحملها الأمازون وشعوبه. لقد أردت المجيء لزيارتكم والإصغاء إليكم ولكي نكون معًا في قلب الكنيسة وأتّحد معكم في تحدياتكم ولكي أُعيد التأكيد معكم على خيار الدفاع عن الحياة والدفاع عن الأرض والدفاع عن الثقافات.
الأمازون هو أرض يتمُّ التنافس عليها على جبهات متعدّدة: من جهة استخراج الموارد والضغط الكبير من قبل المصالح الاقتصاديّة الكبيرة التي توجّه جشعها نحو النفط والغاز والذهب، ومن جهة أخرى الحفاظ على الطبيعة المفرط والذي لا يأخذ بعين الاعتبار الكائن البشري، وبشكل ملموس أنتم أيها الإخوة الذين تقيمون في الأمازون.
لكن علينا أن نعترف أيضًا أن هناك مبادرات رجاء تولد من واقعكم المحلّي ومنظماتكم وتسعى لكي تكون الشعوب الأصليّة والجماعات حارسة للغابات وأن تعود الموارد التي تحفظونها بالربح عليكم وعلى عائلاتكم ولتحسين أوضاع حياتكم وأوضاع الصحّة والتعليم في جماعاتكم.
إنّ هدف الدفاع عن الأرض هو الدفاع عن الحياة. نعرف الألم الذي يعانيه البعض منكم بسبب تسرُّب الهيدرُوكَربُون الذي يُهدِّد حياة عائلاتكم ويلوِّث بيئتكم الطبيعيّة. في الوقت عينه هناك إتلاف آخر للحياة ويسببه التلوّث البيئي الناتج عن استخراج الموارد غير الشرعي، وأعني بهذا الإتجار بالأشخاص وأريد أن تُسمع صرخة الله التي يطلب فيها منا جميعًا: " أَينَ أَخُوكَ؟" (تك 4، 9).
كيف لا نذكر القديس توريبيو عندما أكّد بألمٍ كبير في مجمع ليما الثالث أنّ الفقراء لا زالوا اليوم أيضًا يعانون العديد من الإهانات والعنف، وللأسف بعد خمسة عصور لا تزال هذه الكلمات آنيّة. وبالتالي ينبغي على هذه النبوءة أن تبقى حاضرة في كنيستنا التي لن تتوقّف أبدًا عن رفع صوتها من أجل المهمّشين والمتألِّمين.
من هذا الاهتمام، يأتي الخيار الأوَّل في سبيل حياة العزَّل، وأفكِّر بهذا الصدّد بالشعوب الأصليّة التي تسمّى: "الشعوب الأصليّة التي تعيش في عزلة طوعيّة"؛ نعرف أنّهم من بين أضعف الضعفاء. استمرّوا في الدفاع عن هؤلاء الإخوة لأنَّ حضورهم يذكِّرنا أنّه لا يمكننا أن نستعمل الخيور المُشتركة بحسب جشع الاستهلاك. إنَّ الاعتراف بهذه الشعوب وبجميع الشعوب الأصليّة يذكِّرنا أننا لسنا أسيادًا على الخليقة. وبالتالي من المُلحّ أن نقبل الإسهام الجوهري الذي يقدمونه وألا نحوِّل ثقافتهم إلى إيديولوجيّة لحالة طبيعة أو إلى متحف لأسلوب حياة ماضية.
ثقافة شعوبنا هي علامة حياة. والأمازون، بالإضافة إلى كونه محميّة تنوُّع بيئي هو أيضًا محميّة ثقافيّة ينبغي الحفاظ عليها إزاء أشكال الاستعمار الجديدة. إنَّ العائلة هي المؤسسة الاجتماعيّة التي قد ساهمت بشكل أكبر في الحفاظ على ثقافاتنا. تُطلب منا عناية خاصة لكي لا نسمح بأن تُسيطر علينا استعمارات إيديولوجيّة مُتستّرة خلف أقنعة التقدّم فتدخل وتُبدِّد الهويّة الثقافيّة وتقيم فكرًا موحَّدًا وضعيفًا.
أصغوا إلى المسنّين، هم يملكون حكمة تضعهم في العلاقة مع كلّ ما هو سامي وتجعلهم يكتشفون الجوهريَّ في الحياة. إنَّ التربية تساعدنا على بناء جسور وخلق ثقافة لقاء، ولذلك ينبغي على المدرسة والتربية للشعوب الأصليّة أن تكونا أولويّة والتزامًا للدولة؛ التزام يحترم ويدمج حكمة أسلافهم العريقة كخير للأمَّة بأسرها. لذلك أطلب من إخوتي الأساقفة أن يستمرّوا في تعزيز فسحات تربية متعدّدة الثقافات وذات لغتين في المدارس والمؤسّسات التربويّة والجامعات.
كثيرون كتبوا وتحدّثوا عنكم. ولكن آن الأوان لكي تعرّفوا أنتم عن أنفسكم وتُظهروا لنا هويتكم. نحن بحاجة لأن نصغي إليكم. كم من المرسلين والمرسلات قد التزموا مع شعوبكم ودافعوا عن ثقافاتكم؛ وقد قاموا بذلك يُلهمهم الإنجيل. إنَّ يسوع قد تجسّد أيضًا في ثقافة، الثقافة اليهوديّة، وانطلاقًا منها أعطانا ذاته كحداثة لجميع الشعوب بشكل يمكن لكلِّ شخص وانطلاقًا من هويّته أن يشعر أنّه تحقق به.
لا تستسلموا لمحاولات اقتلاع الإيمان الكاثوليكيّ لشعوبكم. إنّ الكنيسة ليست غريبة عن مشاكلكم وحياتكم، ولا تريد أن تكون غريبة أيضًا عن أسلوب عيشكم وتنظيمكم. نحن بحاجة لأن تطبع الشّعوب الأصليّة ثقافة الكنائس المحليّة في الأمازون. ساعدوا أساقفتكم والمرسلين والمرسلات لكي يتّحدوا معكم وبهذا الشكل وبالحوار مع الجميع يمكنهم أن يصوغوا كنيسة ذات وجه أمازونيّ؛ وانطلاقًا من هذا الرّوح دعوت لعقد جمعيّة عامّة للسينودس من أجل الأمازون عام 2019.
أثق بطواعيّة الشعوب وبقدرتكم على الإجابة على هذه الأوقات الصعبة التي تعيشونها، إذ قد أظهرتم ذلك في مراحل صعبة من تاريخكم، من خلال إسهامكم ورؤيتكم المميّزة للعلاقات البشريّة والبيئة ومن خلال عيشكم للإيمان. أصلّي من أجلكم ومن أجل أرضكم المباركة من الله وأسألكم أن تصلّوا من أجلي!
إذاعة الفاتيكان.