في إطار زيارته الرسوليّة إلى ليتوانيا إلتقى قداسة البابا فرنسيس عصر الأحد الكهنة والمكرّسين والإكليريكيين في كاتدرائيّة القديسين بطرس وبولس في كاوناس وللمناسبة القى الأب الأقدس كلمة قال فيها
لقد تمّت الزيارة إلى بلدكم في إطار هذه العبارة: "المسيح يسوع، رجاؤنا" ولذلك أرغب في أن أتقاسم معكم بعض جوانب هذا الرجاء التي دُعينا لعيشها.
قبل أن يدعونا للرجاء كرّر القديس بولس لثلاثة مرات كلمة "تئِنُّ": الخليقة تئِنُّ ونحنُ نئنُّ والروح القدس يئِنُّ فينا. يئِنُّ المرء بسبب عبوديّة الفساد والتوق إلى الملء، وسيفيدنا اليوم أن نسأل أنفسنا إن كان هذا الأنين حاضرًا فينا أو أنّ لا شيء يصرخ في جسدنا ولا شيء يتوق إلى الله الحي. نحن رجال ونساء تكرُّس خاص، أولئك الذين لا يمكنهم أبدًا أن يفقدوا ذلك الأنين وقلق القلب الذي يجد راحته في الرب فقط. ولذلك علينا أن نعزِّز رغبتنا في الله، كما كان يكتب القديس يوحنا الصليب: "كُن مثابرًا في الصلاة ولا تُهملها حتى خلال انشغالاتك الخارجيّة. إن أكلتَ أو شربتَ وإن تحدّثتَ مع العلمانيين أو فعلت أي أمر آخر، إرغَب في الله دائمًا وضع فيه محبّة قلبك".
هذا الأنين يأتي أيضًا من التأمُّل بعالم البشر، وهو نداء للملء إزاء احتياجات إخوتنا الأشدَّ فقرًا وإزاء نقص المعنى لحياة الشباب ووحدة المسنّين واستغلال البيئة. إنّه أنين يسعى للتأثير على أحداث أمّة ما أو مدينة ما لا كضغط أو ممارسة سلطة وإنما كخدمة؛ وبالتالي فالإصغاء إلى صوت الله في الصلاة يجعلنا نرى ونسمع ونعرف ألم الآخرين لنتمكَّن من تحريرهم. ولكن علينا أن نتأثَّر أيضًا عندما يكفُّ شعبنا عن الأنين لأنها لحظة لنميِّز ما يُخدِّر صوته.
إنَّ الصرخة التي تجعلنا نبحث عن الله في الصلاة والعبادة هي الصرخة نفسها التي تجعلنا نسمع حسرة إخوتنا. هم "يرجون" فينا ونحن بحاجة لننطلق من تمييز متنبِّه ولننظّم ذواتنا ونكون شجعان ومبدعين في عملنا الرسولي. لكنَّ العمل الرسولي يحدِّثنا أيضًا عن الثبات، ثبات في الألم، ثبات في المثابرة في فعل الخير. هذا الأمر يعني أن نثبت في الله ونتجذّر فيه ونكون أمناء لمحبّته. أنتم أيها المسنون تعرفون كيف تشهدون لهذا الثبات إنطلاقًا من "الرجاء على غير رجاء" (راجع روما ٤، ١٨).
إنَّ العنف الذي تعرَّضتم له لأنّكم دافعتم عن الحريّة المدنيّة والدينيّة، وعنف الافتراء والسجن والترحيل هذه الأمور كلّها لم تتغلّب على إيمانكم بيسوع المسيح، رب التاريخ، ولذلك تملكون الكثير لتقولوه لنا وتعلِّمونا إياه. وأنتم أيها الشباب إزاء الإخفاق الذي يُحبطكم ويجعلكم تنغلقون على ذواتكم إبحثوا عن جذوركم وانظروا إلى الدرب التي سارها المسنون؛ لأنَّ المحن والصعوبات هي التي ترسم الملامح التي تميِّز الرجاء المسيحي. صحيح أنَّ الأزمنة قد تغيّرت وأننا نعيش في هيكليات أخرى، ولكنّه صحيح أيضًا أن هذه النصائح تُفهم بشكل أفضل عندما لا ينغلق الذين عاشوا تلك الخبرات القاسية على ذواتهم بل يتقاسموها في الأوقات المشتركة
وختامًا، إنَّ النظر إلى يسوع المسيح كرجائنا يعني أن نتشبّه به ونشارك في مصيره بشكل جماعي. إنَّ الخلاص المرجو بالنسبة لبولس الرسول لا يُحدّ بجانب سلبي وحسب بل يسلِّط الضوء على أمر إيجابي أيضًا: المشاركة في حياة المسيح المجيدة، المشاركة في ملكوته المجيد وفداء الجسد؛ وبالتالي يتعلّق الأمر برؤية سرّ المشروع الوحيد والفريد الذي يحفظه الله لكلِّ فرد منا؛ فهو قد وضع انتظاراته فينا ونحن نرجو به.
إن الكنيسة التي نجتمع فيها مكرّسة للقديسين بطرس وبولس. لقد كان هذان الرسولان متيقنَين للكنز الذي اُعطي لهما، وكلاهما قد دُعيا في أوقات وأساليب مختلفة ليسيرا في العُرض. نحن جميعنا في سفينة الكنيسة ونسعى على الدوام لكي نصرخ إلى الله ونكون ثابتين وسط المحن ويكون يسوع المسيح غاية رجائنا. هذا هو التحدّي الذي يدفعنا: وصيّة حمل البشارة. إنها دافع رجائنا وفرحنا. واليوم سيكون ذلك البحر "التحديات الجديدة" التي ينبغي على هذه الكنيسة المنطلقة ان تواجهها. ولذلك علينا أن نسأل أنفسنا مجدّدًا: ماذا يطلب الرب منا؟ ما هي الضواحي الأكثر حاجة لحضورنا لكي نحمل إليها نور الإنجيل؟ وإلا فمن سيصدِّق أن يسوع المسيح هو رجاؤنا؟ وحده مثال حياتنا سيعطي دليلاً على رجائنا به!
إذاعة الفاتيكان.
ِ