إلتقى قداسة البابا فرنسيس عند الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء بالتوقيت المحلّي العائلات في كاتدرائية سانتياغو دي كوبا وبعد أن استمع لشهادة حياة عائلة كوبيّة ألقى الأب الأقدس كلمة استهلّها بالقول: نحن في عائلة، وعندما يكون المرء في العائلة يشعر بأنه في بيته.
أشكر العائلات الكوبية وأشكر الكوبيين لأنكم جعلتموني أشعر خلال هذه الأيّام أنني في عائلتي، لأنكم جعلتموني أشعر أنني في بيتي. وأن أختتم زيارتي بعيش هذا اللقاء في العائلة هو دافع لأشكر الله على الدفء الذي ينبعث من أناس يعرفون كيف يقبلون ويستقبلون ويجعلونك تشعر أنّك في بيتك.
تابع الأب الأقدس يقول :يقدّم لنا إنجيل يوحنا عرس قانا الجليل أوّلَ حدثٍ علنيّ ليسوع في عيد عائلة. لقد كان هناك مع مريم أمّه وبعض من تلاميذه يشاركون في العيد العائلي. يشكّل العرس لحظة خاصة في حياة الكثيرين. للأكبر سنًّا أي للوالدين والأجداد هو مناسبة لجمع الثمار التي زرعوها، إذ أن رؤية الأبناء ينمون ليؤسسوا بدورهم عائلاتهم تفرح القلب. إنه الفرصة لرؤية أن كل ما جاهد المرء لأجله قد استحق العناء. إن مرافقة الأبناء، دعمهم وتشجيعهم لكي يأخذوا القرار في بناء حياتهم وتكوين عائلتهم، لهي مهمّة كبيرة لجميع الوالدين. إنه مستقبل يبدأ، وكل شيء يملك طعمًا جديدًا، طعم الرّجاء. في العرس يلتقي على الدوام الماضي الذي نرثه والمستقبل الذي ينتظرنا.
أضاف البابا فرنسيس : يبدأ يسوع حياته العلنيّة في عرس يندرج في قصة الزرع والحصاد هذه، قصة الأحلام والبحث، الجهود والإلتزام، فيسوع يبدأ حياته العلنيّة داخل عائلة، في قلب جماعة بيتيّة، وهو في قلب عائلاتنا أيضًا يدخل باستمرار ويشكل جزءًا منها على الدوام. من الأهميّة بمكان أن نلاحظ كيف يظهر يسوع أيضًا في مآدب الغداء والعشاء، فهو يأكل مع أشخاص متعدّدين، وقد شكّلت زيارات يسوع لبيوت مختلفة أماكن مميّزة ليعرّف الناس على مخطط الله. ولا يتصرّف وحده على هذا النحو ولكن عندما أرسل تلاميذه أيضًا ليعلنوا بشرى الملكوت السارة قال لهم: "أَقيموا في ذلكَ البَيتِ تأَكُلونَ وتَشرَبونَ مِمَّا عِندَهم" (لوقا 10، 7).
أعراس، زيارات للعائلات ومآدب العشاء، لا بد من أن تملك هذه الأوقات شيئًا مميزًا في حياة الأشخاص لأن يسوع يُفضل أن يُظهر نفسه خلالها. يسوع يختار هذه الأوقات ليُظهر لنا محبة الله، يسوع يختار هذه الفسحات ليدخل بيوتنا ويساعدنا على اكتشاف الروح الحيّ الذي يعمل في حياتنا اليوميّة.
في البيت نتعلّم الأخوّة والتضامن. في البيت نتعلّم أن نقبل الحياة ونقدّرها بركة وبأن كلّ فردٍ منا بحاجة للآخرين ليسير قدمًا. في البيت نختبر المغفرة ونحن مدعوون لنسامح على الدوام وللتبدُّل. في البيت لا وجود "للأقنعة" نحن ما نحن عليه حقيقة، ونحن مدعوون لنبحث عن الأفضل من أجل الآخرين.
لذلك، تابع الأب الأقدس يقول، تدعو الجماعة المسيحية العائلة باسم الكنائس البيتية، لأنه في دفء البيت يطبع الإيمان كل زاوية ويضيء كل فسحة ويبني الجماعة. لأنّه في أوقات كهذه بدأ الأشخاص يكتشفون محبة الله الملموسة والعاملة. في يومنا هذا وفي ثقافات عديدة بدأت هذه الفسحات بالإختفاء وكذلك هذه الأوقات العائلية، شيئًا فشيئًا بدأ كل شيء يتوق إلى الإنفصال والإنعزال وكذلك بدأت تنقص الأوقات المشتركة والتي نكون فيها في العائلة.
وبالتالي لم نعد نعرف أن ننتظر ولا أن نستأذن أو نطلب المغفرة أو أن نشكر لأن البيت قد تُرك فارغًا، فارغًا من العلاقات واللقاءات. دون العائلة ودون دفء البيت تصبح الحياة فارغة وتغيب الشِباك التي تعضدنا في الصعوبات والتي تغذّي حياتنا اليومية وتعزز الجهاد من أجل السعادة والنجاح. وأشار البابا في هذا الإطار أن العائلة تنقذنا من التشرذم والإنقسام ومن التجانس، وقال إن العائلة هي مدرسة بشريّة تعلمنا أن نهتم بحاجات الآخرين والتنبه لحياتهم.
فالعائلة ليست أبدًا مشكلة وإنما فرصة، فرصة ينبغي علينا أن نعتني بها ونحميها. وأكّد الحبر الأعظم أننا نقلق حول المستقبل والعالم الذي نريد أن نتركه لأبنائنا، لكن ما نريده حقًّا هو أن نترك العالم مع العائلات. بالطبع لا وجود للعائلة الكاملة وللأزواج الكاملين والوالدين والأبناء الكاملين لكن هذا الأمر لا يمنع من أن يكونوا الجواب للمستقبل.
فالله يحثنا على الحب، والحب يلتزم مع الأشخاص الذين يحبّهم، لذلك ينبغي علينا أن نعتني بعائلاتنا، مدارس المستقبل الحقيقيّة.
أضاف الحبر الأعظم يقول لن أختتم كلمتي بدون الإشارة إلى الإفخارستيا وأكّد أن يسوع قد اختار إطار مأدبة عشاء فسحة لتذكاره. يختار لحضوره بيننا وقتًا ملموسًا وواقعيًّا في حياة العائلة، وقت العشاء. الإفخارستيا هي عشاء عائلة يسوع التي تجتمع من مشرق الشمس إلى مغربها لتصغي إلى كلمته وتتغذى بجسده. يسوع هو خبز الحياة في عائلاتنا ويريد أن يكون حاضرًا على الدوام ليغذّينا بمحبته ويعضدنا بإيمانه ويساعدنا لنسير برجائه فنتمكن في جميع ظروف الحياة من أن نختبر أنه خبز السماء الحقيقي.
وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول بعد أيّام قليلة سأشارك مع عائلات العالم بأسره في اللقاء العالمي للعائلات، وبعد أقل من شهر في سينودس الأساقفة حول موضوع العائلة. أدعوكم للصلاة بشكل خاص على هاتين النيّتين لكي نعرف جميعًا أن نساعد بعضنا بعضًا على الإهتمام بالعائلة ونكتشف على الدوام الـ "عمانوئيل"، الله الذي يحيا في وسط شعبه جاعلاً من العائلات مسكنًا له.
إذاعة الفاتيكان.