إلتقى قداسة البابا فرنسيس مساء أمس الاثنين الرابع عشر من أيار مايو أبرشية روما في بازيليك القديس يوحنا اللاتيران، مختتمًا هكذا المسيرة التي بدأتها الرعايا خلال زمن الصوم حول موضوع "الأمراض الروحية".
افتُتح اللقاء بالصلاة ثمَّ تلاها تقديم ملخّص الأعمال التي أرسلتها الرعايا، بعدها وجّه البابا فرنسيس كلمة إلى الحاضرين قال فيها
إن العمل حول الأمراض الروحيّة قد حمل ثمرتين. الأولى وهي نموٌّ في حقيقة وضعنا كمعوزين ومرضى والتي ظهرت في جميع الرعايا والوقائع التي دُعينا لمواجهتها حول الأمراض الروحيّة؛ والثانية خبرة أنَّ ما نتج عن هذه الحقيقة لم يكن فقدان عزيمة وإنما إدراك بأنَّ رحمة الرب لم تغب أبدًا عنّا إذ قد أنارنا وعضدنا خلال هذه المسيرة.
مع بداية هذه المرحلة الجديدة من المسيرة الكنسيّة كان من الأهميّة بمكان أن نتساءل ما هي العبوديات والأمراض التي جعلتنا عقيمين تمامًا كما أراد فرعون شعب إسرائيل بدون أبناء، وبالتالي علينا أن نحدد من هو فرعون زمننا، أي تلك القوّة التي تدّعي بأنها إلهيّة وتريد أن تمنع الشعب من عبادة الرب. لذلك من الأهميّة بمكان أن نكرّس وقتًا لكي وإذ عرفنا بتواضع ضعفنا وشاركناه مع الآخرين يمكننا أن نختبر أنَّ هناك عطيّة رحمة وحياة كاملة لنا ولجميع سكان روما، وهذه العطيّة هي مشيئة الآب الصالحة لنا جميعًا: أفراد وشعب.
إنَّ تحليل الأمراض قد سلّط الضوء على تعب عام وسليم في الرعايا إن كان لأننا نراوح مكاننا وإمّا لأننا قد ضللنا الطريق. ربما قد انغلقنا على أنفسنا وعلى عالمنا الراعوي لأننا في الواقع قد أهملنا حياة الأشخاص الذين أوكِلوا إلينا فيما يُظهر الرب نفسه على الدوام هنا والآن في هذا الواقع المعقّد الذي يبدو ظاهريًا بعيدًا عنه. أو ربما لأننا وجدنا أنفسنا في حالة عبوديّة أي في محدوديّة خانقة أو في إدمان على أمور غير الرب، وبالتالي فقد اكتفينا بما لدينا: أي بأنفسنا.
لكي نخرج من هذا الوضع نحن بحاجة لدعوة الله وحضور ورفقة القريب؛ وينبغي أن نصغي بلا خوف إلى عطشنا لله وللصرخة التي يرفعها أهل روما ونسأل أنفسنا كيف تعبّر هذه الصرخة عن الحاجة للخلاص، أي لله؟ كيف يرى الله هذه الصرخة ويصغي إليها؟ كم من الحالات التي ظهرت خلال دراستنا تعبّر في الحقيقة عن هذه الصرخة بالذات! وبالتالي أنا أدعوكم للانطلاق في مرحلة جديدة من مسيرة كنيسة روما، بمعنى آخر لخروج جديد وانطلاقة جديدة تجدّد هويتنا كشعب لله بدون ندم أو تحسُّر على ما ينبغي علينا تركه.
ينبغي أيضًا، أن نصغي إلى صرخة الشعب، تمامًا كما دُعي موسى ليفعل: فنعرف كيف نفهم، في ضوء كلمة الله، الظواهر الاجتماعيّة والثقافية التي نغوص فيها؛ ونتعلّم أن نميِّز حضور الله، في الأشكال اليوميّة للقداسة والشركة معه، أي في لقائنا ومرافقتنا لأشخاص يعيشون الإنجيل والصداقة مع الرب. ولكي نقوم بذلك من الضروري أن تصبح جماعاتنا قادرة على خلق شعب أي قادرة على تقديم وخلق علاقات يمكن لأناسنا أن يشعروا من خلالها أنهم مقبولين ومحبوبين. شعب نختبر فيه نوعيّة علاقات تُشكِّل بداية أرض الميعاد وعمل الرب الذي يحققه فينا ومن أجلنا.
وإن كانت قيادة الجماعة المسيحيّة هي واجب الكاهن فالعناية الراعويّة هي متجذّرة في المعموديّة وتزهر في الأخوّة وليست مهمّة الكاهن وحسب وإنما مهمّة جميع المعمّدين. وإذ نعتبر هذا الأمر أول واجب راعوي يمكننا أن نكون الأداة التي نختبر من خلالها عمل الروح القدس بيننا ونرى تحوّلات في الحياة. وبالتالي كما تدخّل الله لصالح شعب إسرائيل من خلال بشريّة موسى، هكذا أيضًا يمكن لبشريّة المسيحيين المُصالحة أن تكون الأداة لعمل الرب الذي يريد أن يحرّر شعبه من كل ما يمنعه من أن يكون شعبًا، أي من الظلم ومن الخطيئة التي تولِّد الموت. لكن ينبغي أن ننظر إلى هذا الشعب لا إلى أنفسنا وأن نسمح له بأن يُسائلنا ويزعجنا.
أريد أن أدعوكم لتكرِّسوا وقتًا لهذا الأمر، أي ليكون العام المقبل نوعًا من الاستعداد لبدء مسيرة تجعلنا نبلغ الأرض الجديدة التي سيدلنا إليها عمودا الغمام والنار؛ أي أوضاع حياة جديدة وعمل راعوي يجيبان بشكل أكبر على الرسالة وحاجات أهل روما في زمننا. يدعونا الرب لكي "نذهب ونُثمر" (راجع يوحنا ١٥، ١٦). لا تخافوا من أن تثمروا ومن أن تكونوا غذاء للوقائع التي تلتقون بها، حتى وإن كان هذا الأمر أشبه بالاختفاء والموت.
ربما هناك بعض المبادرات التقليديّة التي ينبغي علينا إصلاحها ويمكننا أن نقوم بذلك فقط إن عرفنا إلى أين نذهب ولماذا ومع من. لذلك أدعوكم لكي تقرؤوا في هذا المنظار أيضًا بعض الصعوبات والأمراض التي وجدتموها في جماعاتكم كوقائع لا يمكن أن نقدّمها لإشباع جوع أحد. هذا الأمر لا يعني أنه لم يعد بإمكاننا أن ننتج شيئًا وإنما أنّه ينبغي علينا أن نُطعِّم فروعًا جديدة تعطي ثمارًا جديدة!
إذاعة الفاتيكان.