استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الجمعة المشاركين في مؤتمر "حماية البيت المشترك ومستقبل الحياة على الأرض" الذي تنظمه الدائرة الفاتيكانية المعنية بالتنمية البشرية المتكاملة بالتعاون مع الحركة الكاثوليكية العالمية للمناخ، كاريتاس الدولية والتحالف الدولي لوكالات التنمية الكاثوليكية بمناسبة مرور ثلاث سنوات على صدور الرسالة العامة "كن مسبَّحًا" حول العناية بالخليقة، البيت المشترك.
وفي بداية كلمته إلى المشاركين وجّه الحبر الأعظم التحية والشكر للجميع على اجتماعهم للاستماع إلى صرخات الأرض والفقراء التي تطالب بالمساعدة والمسؤولية، وعلى شهادتهم على الضرورة الملحة للاستجابة لندائه في الرسالة العامة من أجل التغيير وارتداد إيكولوجي. وشدد في هذا السياق على الالتزام الذي لا يمكن تأجيله للعمل بشكل ملموس لحماية الأرض والحياة عليها انطلاقا من القناعة بكون كل شيء في ترابط، وهو ما تتمحور حوله الرسالة العامة.
تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن المخاطر التي تهدد الأرض جراء معدلات الاستهلاك، والهدر والتغيير البيئي التي تتخطى إمكانيات الكوكب، وبالتالي عن خطر أن نترك للأجيال الآتية الكثير من الحطام والصحاري والقذارة (راجع "كن مسبَّحا" 161). وتابع بالتالي معربًا عن الرّجاء أن تتحول هذه المخاوف إلى أفعال ملموسة محورها الإيكولوجيا المتكاملة، وذلك نظرا لاعتماد التخفيف من تأثيرات الاختلال الحالي على ما نقوم به الآن (161).
أكد من جهة أخرى أن البشرية تملك من المعرفة والوسائل ما يمَكنها من التعاون لتحقيق هذا الهدف ومن أن "تفلح وتحرس" الأرض بشكل ملموس. ولهذا أراد قداسته التأكيد على أهمية التطرق أيضًا إلى بعض الأحداث الهامة لهذا العام. تحدث في هذا السياق عن مؤتمر الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية الذي سيُعقد في مدينة كاتوفيتسي البولندية في كانون الأول ديسمبر القادم، وقال إن هذا اللقاء يمكنه أن يكون نقطة هامة في المسيرة التي حددها اتفاق باريس عام 2015. وأكد قداسته على ضرورة احترام دول العالم كافة لهذا الاتفاق لتفادي تبعات أكثر خطورة للأزمة المناخية، مذكرًا بما كتب في الرسالة العامة "إن الحد من الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري يتطلب صدقا وشجاعة ومسؤولية، وبالأخص من قِبل البلدان الأكثر قدرة والأكثر تسببا في التلوث." (169).
وإلى جانب الدول والحكومات، هناك أيضًا دور السلطات المحلية والمجتمع المدني، المؤسسات الاقتصادية والدينية، التي يمكنها تحفيز ثقافة وتطبيقات إيكولوجيا متكاملة. وأشار قداسته من جهة أخرى إلى اللقاء الذي سيُعقد حول التغيرات المناخية في سان فرنسيسكو في أيلول سبتمبر القادم، ثم ذكّر بالرسالة المشتركة مع بطريرك القسطنطينية المسكوني برتلماوس الأول بمناسبة اليوم العالمي للصلاة من أجل الخليقة في الأول من أيلول سبتمبر 2017، والتي أكدا فيها أنه "ما من حل حقيقي ودائم لتحدي الأزمة الإيكولوجية والتغيرات المناخية بدون جواب ملموس وجماعي وبدون مسؤولية متشاركة وبدون إعطاء الأولوية للتضامن والخدمة".
تحدث قداسة البابا أيضًا عن الدور الهام للمؤسسات المالية باعتبارها جزءً من المشكلة ومن حلها، مشددًا على ضرورة تغيير النموذج المالي السائد من أجل تعزيز تنمية بشيرة متكاملة. وذكّر في هذا السياق بحديث البابا الفخري بندكتس السادس عشر في الرسالة العامة "المحبة في الحقيقة" عن ضرورة عودة المالية لتكون أداة تهدف لتحسين إنتاج الثروة والتنمية. أكد قداسة البابا فرنسيس بعد ذلك أن الأفعال الضرورية تتطلب تحولاً عميقا للقلوب والضمائر، مضيفًا أن للأديان وخاصة للكنائس المسيحية دورًا هامًا عليها أن تقوم به، وذكّر بانتشار مبادرات مثل أيام الصلاة من أجل الخليقة في مناطق العالم المختلفة.
ثم أراد الحبر الأعظم التشديد على أن الإلتزام من أجل بيتنا المشترك يجب أن يوفر مساحة لفئتين من الأشخاص هما في الصفوف الأماميّة لتحدي الإيكولوجيا المتكاملة، وهما أيضًا محور سينودسَي الأساقفة القادمَين: الشباب والشعوب الأصلية. ثم تحدث عن كل من المجموعتين فأكد أن الشباب يطالبون بالتغيير وهم مَن سيكون عليه مواجهة تبعات الأزمات البيئية والمناخية الحالية، وتحدث في هذا السياق عن أهمية التضامن ما بين الأجيال وهو ما أشار إليه في الرسالة العامة. وفي حديثه عن الشعوب الأصلية أكد قداسة البابا أهمية الجماعات الأصلية وتقاليدها الثقافية، وأعرب عن الحزن أمام الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين وأشكال الاستعمار الجديدة التي تغذيها ثقافة الهدر والاستهلاك. وذكّر في هذا السياق بحديثه إلى ممثلي السكان الأصليين في بويرتو مالدونادو خلال زيارته الرسولية إلى بيرو في كانون الثاني يناير 2018 حين وصف حياة الشعوب الأصلية بذاكرة حية للرسالة التي أوكلها الله إلينا جميعا، حماية بيتنا المشترك.
هذا وأكد قداسة البابا مجددا التحديات العديدة مكررًا الشكر للمشاركين في المؤتمر على عملهم من أجل العناية بالخليقة، مؤكدًا أن هذه تبدو مهمة صعبة في إشارة إلى المصالح الخاصة الكثيرة التي من السهل أن تتغلب على الخير العام (راجع "كن مسبَّحًا" 54)، إلا أن البشر، القادرين على الانحطاط إلى أقصى الحدود، هم أيضا قادرون على تخطي ذواتهم والعودة من جديد لاختيار الخير، والتجدد (205).
ثم ختم البابا فرنسيس كلمته إلى المشاركين في مؤتمر "حماية البيت المشترك ومستقبل الحياة على الأرض" مذكرًا بالقديس فرنسيس الأسيزي الذي يواصل إلهامنا وتوجيهنا في هذه المسيرة، كما ذكّر بأن رجاءنا ينبع من الإيمان بقوة أبينا السماوي "الذي يدعونا إلى التزام سخي وكامل، وإلى تقديم كل شيء، يهبنا القوة والنور اللذين نحتاج إليهما لنُكمل مسيرتنا. ليستمر في قلب هذا العالم حضور رب الحياة، الذي يحبنا كثيرا. فهو لا يتخلى عنًا، ولا يتركنا بمفردنا، لأنه اتحد نهائيا بأرضنا، وحبه يحملنا دائمًا إلى إيجاد طرق جديدة. ليكن مسبحًا!" ("كن مسبَّحًا 245).
إذاعة الفاتيكان.