البابا فرنسيس يستقبل أعضاء الجمعيّة الوطنيّة للبلديات في إيطاليا

متفرقات

البابا فرنسيس يستقبل أعضاء الجمعيّة الوطنيّة للبلديات في إيطاليا

 

 

 

 

البابا فرنسيس يستقبل أعضاء الجمعيّة الوطنيّة للبلديات في إيطاليا

 

 

 

استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في القصر الرسولي بالفاتيكان أعضاء الجمعيّة الوطنيّة للبلديات في إيطاليا وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال نجد في صفحات الكتاب المقدّس الأولى قصة بابل، مدينة غير مُكتملة، كُتب لها أن تبقى في ذاكرة البشريّة كعلامة للاضطراب والضياع، للإدعاء والانقسام ولعدم القدرة على فهم الآخر مما يجعل مستحيلاً صنع أي عمل في سبيل الخير العام.

 

وينتهي الكتاب المقدّس بمدينة أيضًا ولكنّها على عكس بابل وهي أورشليم الجديدة التي تفوح منها رائحة السماء وتخبر عن عالم متجدّد؛ وهي مسكن يُنمّي اللقاء وإمكانيّة الإقامة، بالرغم من أنَّ هذه الإقامة تبقى عطيّة، لكننا ندخل فيها بقدر ما نساهم في خلق علاقات أخوّة وشركة.

 

 إنّه لأمر بالغ الأهميّة أن يستعين الكتاب المقدّس بهذه الإيقونة ليشير إلى واقع الكون النهائي. إن صورة المدينة تظهر كيف يمكن للمجتمع البشري أن يصمد فقط عندما يقوم على وحدة حقيقيّة، فيما يُحكم عليه بعنف الفوضى والاضطراب حيث ينمو الحسد والطموحات الجامحة وروح العداوة.

 

إنّ المدينة التي أرغب بالتحدُّث معكم عنها تلخَّص جميع المدن التي أوكِلَت إلى مسؤوليّتكم. إنها مدينة لا تسمح بالفردانيّة التي تفصل المصلحة الخاصة عن المصلحة العامة؛ كما لا تقبل بدروب الفساد التي تُعشِّش فيها جراح التفتّت والتداعي؛ ولا تعرف جدران خصخصة الأماكن العامة حيث يصبح الـ "نحن" مجرّد شعار أو قناع لمصلحة البعض.

 

 إنَّ بناء هذه المدينة لا يتطلّب منكم اندفاعًا مُدَّعيًا نحو الآخر وإنّما التزامًا متواضعًا ويوميًّا نحو الأسفل. فالأمر لا يتعلّق برفع البرج أكثر وإنما بتوسيع الساحة وإفساح المجال لنعطي لكل شخص إمكانيّة تحقيق ذاته وعائلته والانفتاح على الشركة مع الآخرين.

 

ولكي تعانقوا هذه المدينة وتخدموها أنتم بحاجة لقلب صالح وكبير تحافظون في داخله على شغف الخير العام. هذه هي النظرة التي تحملنا كي ننمّي في الأشخاص كرامة أن نكون مواطنين؛ كما تعزز أيضًا العدالة الاجتماعيّة، وبالتالي العمل، والخدمات والفرص؛ وتخلق مبادرات عديدة تقيم من خلالها على الأرض وتعتني بها وتربّي على المشاركة في المسؤوليّة.

 

لأنَّ المدينة، هي كائن حيّ وجسمّ متحرِّك كبير، إذا صعُب فيه التنفس لجزء ما فذلك لأنّه لا ينال الأوكسجين الكافي من الأجزاء الأخرى. أفكّر في الحالات حيث تنقص الجهوزيّة ونوعيّة الخدمات وتتكوّن فتحات جديدة للفقر والتهميش. وهناك تبدأ المدينة بالسير على طريق مزدوج: "الأتوستراد" من جهة للذين يركضون بضماناتهم و"الطريق الضيّق" من جهة أخرى للفقراء والعاطلين عن العمل والمهاجرين والذين ليس لديهم أحدًا يعتمدون عليه. علينا ألا نقبل هذه الأساليب التي تفصل وتجعل حياة أفراد موتًا لآخرين والكفاح الذي يدمّر روح التضامن والأخوّة البشريّة.

 

علينا أن نرتاد الضواحي الاجتماعيّة والوجوديّة، لأنَّ وجهة نظر الأخيرين هي أفضل مدرسة لأنها تجعلنا نفهم الاحتياجات الحقيقيّة وتكشف الحلول الظاهريّة. وإذ تكشف الظلم تدلّنا على الدرب لاقتلاعه من خلال بناء جماعات يتمُّ فيها الاعتراف بكرامة كل شخص ومواطنيّته، وبالواجبات والحقوق والمنطق الذي يربط مصلحة الفرد بالمصلحة العامة، لأن ما يساهم في خير الجميع يساهم أيضًا في خير الفرد.

 

ولكي نتحرّك داخل هذا المنظار نحن بحاجة لسياسة واقتصاد يتمحوران حول الأخلاق: أخلاق المسؤوليّة والعلاقات والجماعة والبيئة. كما نحتاج أيضًا إلى "نحن" حقيقي ولأشكال مواطنيّة ثابتة ودائمة، ولسياسة استقبال وإدماج لا تترك على الهامش الأشخاص الذين يصلون إلى أرضنا بل تسعى جاهدة كي تُثمر الموارد التي يحملها كل فرد معه.

 

 أفهم انزعاج العديد من مواطنيكم إزاء التدفّق الهائل للمهاجرين واللاجئين. يجد هذا الأمر شرحه في الخوف الفطري من "الغريب"، خوف يزداد بسبب الجراح التي سبّبتها الأزمة الاقتصادية وعدم استعداد الجماعات المحليّة وعدم ملائمة العديد من المعايير المُعتمدة في جو الطوارئ.

 

يمكن تخطّي هذا الانزعاج من خلال تقديم فسحات لقاء شخصيّة ومعرفة متبادلة، لذلك أشجّع جميع المبادرات التي تعزز ثقافة اللقاء وتبادل الغنى الفني والثقافي ومعرفة الأماكن والجماعات التي ينتمي إليها الواصلون الجدد. يسعدني أن أعرف أن العديد من المؤسسات المحليّة الممثلة اليوم هنا بإمكانها أن تُعدَّ بين المؤسسات الأساسيّة التي تدعم الاستقبال والإدماج والتي حصدت نجاحات مُشجّعة تستحق الحديث عنها. ولذلك أتمنى أن يتبع العديد مثلكم!

 

 بهذا الشكل يمكن للسياسة أن تؤدّي دورها الأساسي الذي يقوم على المساعدة على النظر برجاء إلى المستقبل. إنّه رجاء الغد الذي يولّد أفضل الطاقات في كل شخص ولاسيما في الشباب، الذين لا يبقون مجرّد مستفيدين من المشاريع النبيلة بل يمكنهم أن يصبحوا روادًا أيضًا وهذا الأمر ستحصدون فوائده أيضًا.

 

 أتمنى أن تشعروا بعضد الناس الذين تبذلون وقتكم ومؤهلاتكم وجهوزيتكم في سبيلهم. وإذ تدركون أهميّة التزامكم والعمل الذي تقومون به كونوا أسخياء ومتجردين في خدمة الخير العام، فتصبح هكذا المدينة استباقًا وانعكاسًا لأورشليم السماويّة وعلامة لصلاح الله وحناه في زمن البشر.

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.