ترأس البابا فرنسيس صباح الأحد قدّاسًا احتفاليًا في منتزه سانتاكوس بمدينة كاوناس الليتوانيَّة بمشاركة حشد غفير من المؤمنين، وألقى عظة خلال الاحتفال الدينيّ تمحورت حول تعاليم الربِّ لتلاميذه والتي خصَّص لها القدِّيس مرقس البشير قسطًا هامًا من إنجيله.
لفت فرنسيس إلى أنَّ الربَّ يسوع وخلال صعوده إلى أورشليم شاء من تلاميذه أن يجدِّدوا خيارهم على ما يبدو، مُدركين أنَّ هذا الخيار ستترتب عليه أوقات من المحنة والألم. وأضاف أن القدّيس مرقس ذكر أنّ الربّ أعلن ثلاث مرَّات عن ألمه وعبر التلاميذ عن مقاومتهم وامتعاضهم وفي المرَّات الثلاث أراد الربّ أن يترك لهم تعليمًا.
الحياة المسيحيَّة تعبِّر دومًا مراحل من الجلجلة تبدو أحيانا بلا نهاية. كما أن سفر الحكمة يتحدّث عن البار المضطهد، ومن يتعرض للعذاب بسبب طيبته وحسب. وتوجَّه البابا إلى المؤمنين مشيرًا إلى أنَّ العديد منهم يتذكّرون المراحل الصّعبة التي عاشتها ليتوانيا وبينهم من تزعزع إيمانهم لأنَّ الله لم يظهر لنجدتهم. وأكّد أنّ مدينة كاوناس تدرك هذا الواقع جيداً، وليتوانيا بأسرها تشهد على هذا الأمر وعلى الذعر الذي يولد من مجرّد لفظ اسم "سيبيريا" أو "غيتوهات" العاصمة فيلنيوس وكاوناس.
التلاميذ لم يشاؤوا أن يحدّثهم الربّ عن الألم والصَّليب، وعن المحن والقلق، ويلفت القدِّيس مرقس إلى أنَّ هؤلاء كانوا يهتمّون بأمور أخرى إذ كانوا يتباحثون فيما بينهم بشأن من هو الأعظم فيهم. وأشار البابا في هذا السياق إلى أنّ الرَّغبة في القوَّة والمجد هي تصرّف من يعجزون عن مداواة ذاكرة تاريخهم، ولهذا السبب لا يقبلون الالتزام في العمل حاضرًا. وأكّد فرنسيس أنّه بهذه الطريقة ننكر تاريخنا، الذي يكون مجيداً إذا كان مطبوعًا بالتضحيات والرَّجاء والنضال اليوميّ والحياة المكرسة للخدمة والمثابرة في العمل الشاق، كما جاء في الإرشاد الرسوليّ "فرح الإنجيل"، إنّه موقف عقيم يرفض المشاركة في بناء الحاضر ويفقد التواصل مع الواقع الذي يعاني منه الشّعب. وحذّر البابا من مغبة التمثّل بـ"الخبراء" الروحيِّين الذين يدينون من الخارج ويمضون وقتهم في الحديث عمَّا ينبغي فعله.
الربّ عرض على تلاميذه ترياقاً للصراع على السّلطة ورفض التضحية. فوضع طفلا في وسطهم، وسأل البابا من هم الأشخاص الحاضرون في قداس اليوم الذين قد يضعهم المسيح في الوسط؟ من هم الأصغر والأفقر الذين ينبغي أن نقبلهم مع الاحتفال بالذكرى المئوية لاستقلال البلاد؟ وقال: قد يكون هؤلاء من الأقليات العرقية في المدينة، أو من العاطلين عن العمل المجبرين على الهجرة، أو العجزة المتروكين أو الشبان الذين فقدوا جذورهم ولا يجدون معنى لحياتهم.
وعاد البابا ليتحدث عن أهمية أن تخرج الكنيسة لملاقاة الآخرين، لاسيما الصغار والمنسيين ومن يعيشون في ضواحي الوجود. وينبغي أن تدرك أن هذا الخروج يتطلب أحيانا التوقف والنظر في أعين الآخرين والاستماع إليهم ومرافقتهم. ويجب أن نتصرف أحيانا كوالد الابن الضال الذي مكث عند الباب ينتظر عودة ولده ليفتح له متى رجع. وفي ختام عظته شجع البابا المؤمنين على قبول يسوع كي يداوي ذاكرتنا ويرافقنا في حاضر مفعم بالتحديات والعلامات التي يتركها لنا. وشدد على أهمية اتباع الرب كتلاميذ له وهكذا نشعر بأفراح وآمال وأحزان أناس زماننا، لاسيما الفقراء والمتألمين.
إذاعة الفاتيكان.